تطورات الأوضاع في اليمن تعد تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وتأثيراتها مباشرة وجليّة على الأمن القومي العربي
تمادي تدهور الأوضاع السياسية في اليمن وتداعياتها على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ لا شك أنها تؤثر في منظومة الأمن القومي العربي في مجمله، خصوصاً دوائر التأثير المباشر في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج والبحر الأحمر؛ فتماسك الدولة في اليمن يسهم بالضرورة في تماسك هذا الجزء المهم من المنطقة والعالم، وانهيار الدولة وانتشار الفوضى يعني تزايد التهديدات التي تتنامى في ظلها الجماعات المسلحة والتدخلات الخارجية في الشأن اليمني؛ وتأثيرات ذلك داخياً وخارجياً.
إن مفهوم الأمن القومي لم يعد قاصراً على الأمن بمعناه الضيّق، الذي يقتصر على حماية أراضي الدولة في مواجهة أي اعتداءات خارجية، بل اتسع المفهوم بحيث يمكن القول بأن المقصود بالأمن القومي العربي، هو الإدراك العميق للمخاطر التي يمكن أن تهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة، واليمن دولة مؤثرة بشكل كبير، في محيط منطقة غاية في الأهمية والتأثير الجيوسياسي.
إن تطورات الأوضاع في اليمن تعد تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وتأثيراتها مباشرة وجليّة على الأمن القومي العربي، ويتمثل هذا التهديد على تنوع أشكاله في فكرة استمرار سيطرة واستيلاء مليشيا مسلحة إرهابية على عاصمة عربية "صنعاء" تعد أصل العرب، والنفوذ المتنامي بالضرورة للحضور الأيدلوجي الإيراني المتطرف من شكل إدارة الحكم وتسلسله الهرمي الخاضع لاعتبارات شوفونية العرق، واعتبارات تميز سلالة عنصرية "هامشية" وليس "هاشمية" بالقياس على تعدد أطياف وأعراق؛ والتي تعكس تنوع المجتمع اليمني، مروراً إلى حالة الإرهاب والقمع الاجتماعي الذي تفرضه هذه الجماعة.
المشاركة الفجّة للمرأة في منظومة لم يعتد عليها المجتمع اليمني تتمثل في تكوين عناصر من المليشيا النسائية التي يطلق عليها "زينبات"، والتي لم تترك حدوداً لأعراف أو تقاليد، لتفرض تجاوزات حاقدة لا تنم إلا عن ثأرية ستكون تداعياتها السياسية والاجتماعية على المستقبل القريب خطيرة جداً
ووصولاً إلى المشاركة الفجّة للمرأة في منظومة لم يعتد عليها المجتمع اليمني، والتي تتمثل في تكوين عناصر من المليشيا النسائية التي يطلق عليها "زينبات"، والتي لم تترك حدوداً لأعراف أو تقاليد، لتفرض تجاوزات حاقدة لا تنم إلا عن ثأرية ستكون تداعياتها السياسية والاجتماعية على المستقبل القريب خطيرة جداً.
إن ضرورة التصدي لكل محاولات الحوثيين الرامية إلى الاستمرار في تهديد أمن اليمن والمنطقة والأمن القومي العربي، وتهديد السلم والأمن الدوليين؛ عبر مصادرة الإرادة اليمنية، وإثارة الفتن فيه، وتفكيك نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية، يعد هاجساً خطيراً لن يتمكن اليمنيون من تجاوزه لعقود طويلة قادمة.
لقد سعت جماعة الحوثي إلى تفكيك البنية الداخلية للدولة اليمنية وتفتيتها إلى مذاهب وملل وفئات، وإضعاف وحدة النسيج الاجتماعي، وتحويل اليمن إلى بؤرة للصراعات والحروب الأهلية، بتغذية الصراعات والفتن الداخلية، وإثارة الحساسية الدينية والنعرات المذهبية والطائفية والشطرية، وقتل الأبرياء وتشريد الأسر والأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف المدنيين العزّل في القرى.
إن السعي الدؤوب نحو محاكاة تنامي جماعات الإرهاب الشيعية على المستويين الإقليمي والدولي، أسهم في ضعف وانهيار الدولة القومية في اليمن وعدد من الدول العربية، حيث إن سيطرة المليشيات المسلحة على إدارة حكم مناطق مختلفة أسهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشاره، وأسهمت أيضاً في ارتفاع معدلات الفقر والجهل والعصبوية والمناطقية.
وهناك جانب غاية في الخطورة والتأثير، وهو الحضور الذي تسعى وباتت تحققه مليشيات الحوثي على توجهات الأمن البحري والملاحي في منطقة باب المندب والبحر الأحمر، وما مدى أن يشكله استمرار عدم الاستقرار في اليمن على أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يمثل أهم الممرات المائية في العالم، وتزداد أهمية مضيق باب المندب بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز استراتيجياً. وبطبيعة الحال، فإن أي تفكير حول حضور الحوثيين على أي منافذ بحرية في اليمن سيكون حضوراً بالوكالة لدور إيراني، وحضور يؤثر بالضرورة على الأمن القومي العربي، وسيمكنهم من التأثير الملاحي على حركة التجارة، بما ينعكس سلباً على حركة الملاحة في قناة السويس والمساس بالأمن القومي المصري، لاعتبارات تتعلق بكون باب المندب وقناة السويس شريان الملاحة العالمية، وتزداد أهميتهما بوصفهما من أهم الممرات البحرية في العالم.
ويظل تنامي احتمالات الخطر الجسيم على أمن البحر الأحمر من جراء سيطرة قوة سياسية موالية لإيران على اليمن، غير أن المنطق يفضي إلى أن هذه الاحتمالات لا تزال قابلة لإعاقتها بحسن التدبير وإدارة المشهد السياسي والعسكري بتنسيق عربي- كما هو حاصل الآن، خصوصاً الدول المطلة على البحر الأحمر؛ وذلك لإجهاض ما تسعى إيران إليه عبر مخططها للسيطرة على المنطقة.
إشارات:
- حرص السفير السعودي لدى اليمن محمد بن سعيد آلِ جابر في عرض موجز الأربعاء الماضي في القاهرة، وتحت رعاية البرلمان العربي، وبحضور عدد كبير من أعضائه، إلى تقديم استعراض سياسي واستراتيجي لـ"آخر التطورات العسكرية والأمنية والإنسانية في اليمن" وقد تناول بمسؤولية عالية واقع هذه التهديدات التي يمثلها حضور الحوثيين في اليمن على الأمن القومي العربي.
- تناول السفير السعودي بالتفصيل، الدعم التي يتلقاه الحوثيون من إيران عبر تزويدهم بالسلاح والصواريخ الباليستية على شكل قطع عن طريق ميناء الحديدة، وتولي خبراء من حزب الله وإيران عملية تجميعها لاستهداف السعودية.
- أشار آل جابر إلى التعنت الحوثي لرفض كل المبادرات السياسية، بإيعاز واستراتيجية إيرانية.
- تحركات إيران للسيطرة على باب المندب، وكان هذا التناول استعراضاً لمسؤول قريب من تطور المستجدات والأوضاع وتأثيرات ذلك على مختلف المشاهد السياسية والعسكرية وغيرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة