ما حدث مؤخراً في مدينة حلوان من اعتداء على كنيسة واستشهاد 9 أشخاص؛ أعاد للأذهان من جديد صورة التآخي بين مسلمي مصر ومسيحيّيها .
ما حدث مؤخراً في مدينة حلوان جنوب القاهرة من اعتداء على كنيسة مارمينا واستشهاد تسعة أشخاص؛ أعاد للأذهان من جديد صورة التآخي بين مسلمي مصر ومسيحيّيها .
ليس غريباً على مصر العروبة والسّلام أن يتنادى أبناؤها عبر مكبّرات مآذن المساجد لإنقاذ الآمنين في الكنائس، مشهد يصيب الإرهاب ومشغليه بمقتل، وهو السّاعي عبر تكراره استهداف بيوت الله من كنائس ومساجد لبث الفرقة بين مكوّنات الشّعب الواحد، فالدّم المصري يجري في عروق الجميع من دون تفرقة، وهذا ماتجلى حين تبرع الأقباط بدمائهم من أجل مصابي مسجد الروضة مؤخراً.
ثمّة ثلاثة مشاهد لابدّ من التوقف عندها عقب الهجوم الإرهابي على الكنيسة.
تفاصيل المشهد الأول كتبتها دماء رضا عبد الرحمن أمين الشّرطة المكلّف بتأمين الكنيسة، والذي قُتِل في الحادث، رضا كان يصلّي لحظة سماعه إطلاق النار فقطع صلاته حاملاً سلاحه ليواجه به الإرهابي، حيث استشهد رضا مخلفاً وراءه قصة سيروي أحداثها حتماً أبناء الكنيسة لأحفادهم في القادم من الأيام.
ماقام به العمّ صلاح وأمين الشرطة والمؤذن في المسجد الواقع في منطقة حلوان يشكل خط الدفاع الأول ضد الإرهابيين، فالوعي والوطنية والتضحية التي تملكت النماذج الثلاثة المذكورة يمكن البناء عليها للوصول إلى جيل مؤمن بوطن لافرق فيه بين مسيحي ومسلم
المشهد الثاني كان بطله العّم صلاح، الرجل الخمسيني الذي خاطر بنفسه ملقياً ذاته على الإرهابي من دون تردد لِلجْمِهِ ومحاصرته قبل مضيّه في مخططه الإرهابي، الصورة لاتُشرح هنا لأنّ الذاكرة المصرية ستحفظ إلى مالا نهاية قوة وشجاعة المصري في دفاعه عن أخيه.
أمّا المشهد الآخير فيتجلى بما فعله المؤذّن في أحد مساجد حلوان عندما علم بهجوم الإرهابي على الكنيسة رافعاً الصوت، لا للأذان وإنّما لدعوة بني قومه بغية إنقاذ المواطنين المصريين الذين يتعرضون لهجوم إرهابي، فتداعى الشباب كسيّل جارف طوّقَ الإرهابي قبل وصوله إلى هدفه.
في الحقيقة ما استعرضناه عبر الصور الثلاث يختصر مصر برمتها من حلوان إلى الإسكندرية فالقاهرة، وليس انتهاء بسيناء والعريش، ويثبت صوابية ما يتحدث به المصريون من أنّ المشروع الذي يسعى التكفيريون إليه في بلادهم لن يجد تربة خصبة ولا أرضية لنمو بذور الكراهية في أرض الكنانة.
من الملاحظ أنّ التنظيمات الإرهابية تسلك نهجاً أكثر تشدداً وفتكاً بطريقة تعاملها فيما يخصُّ مصر مقارنة بما تقوم به في العراق وسوريا وغيرهما من البلدان العربية لناحية التحشيد الطائفي وضرب الكنائس وتفجيرها، فمالذي تريده هذه التنظيمات بالتحديد من مصر وماذا يعني استهدافها الكنائس على وجه التهديد؟
لاشكّ أنّ المسيحيين موجودون في كثير من البلدان العربية وبنسب متفاوتة، ولكنّ مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث العدد، إذ يتراوح عددهم بـين 15 إلى 18 مليون نسمة بحسب ما أعلنه الأنبا باخوميوس مطران البحيرة الذي تولى رعاية الكنيسة في الفترة الانتقالية ما بين رحيل البابا شنودة وقدوم البابا تواضروس.
في الواقع، العدد الكبير لهؤلاء المواطنين المصريين المسيحيين أرقّ جميع المتطرفين، سواء تنظيمي "داعش والنصرة" أو غيرهما من التنظيمات المؤدلجة التي تدور في فلكهما، خصوصاً بعدما أبدته الكنيسة القبطية من تلاحم كبير ووطنية عالية تجاه مصر وجيشها على الرغم من الاستهدافات الكثيرة والكبيرة التي تعرضت لها، وهذا يشكّل أحد أهم الأسباب للاعتداءات المتكررة.
لذلك لم يُعرْ التنظيم المتطرف اهتماماً كبيراً للبلدان التي سيطر على أجزاء من أراضيها، رغم ممارساته بحق المسيحيين وتهجيرهم من مناطقهم في "الموصل" العراقية أو "معلولا" السّورية، بل كان يضع نصب عينيه مصر لينفذ فيها مخططه الأكبر بضرب النّسيج الاجتماعي هناك مستفيداً من بعض التصرفات الفردية الخاطئة والحساسية المبالغ فيها في بعض الأحيان بين المسلمين والمسيحيين ليتفرد بعدها ببقية البلدان العربية الأخرى.
الإرهاب ومشغلوه يدركون الدور المحوري لمصر في المنطقة، فلطالما صرحت القاهرة بأنّه على عاتق جيشها تكمن حماية جميع البلدان العربية، لأنّها العمود الفقري الذي ترتكز عليه شقيقاتها، أمنها يعني بالضرورة أمن باقي الأقطار العربية، وهذا مايفسرّ قوة التلاحم الذي تبديه دولة الإمارات مثلاً مع مصر في مواجهة المتطرفين.
الخلاصة نستطيع القول بأنّ ماقام به العمّ صلاح وأمين الشرطة والمؤذن في المسجد الواقع في منطقة حلوان يشكل خط الدفاع الأول ضد الإرهابيين، فالوعي والوطنية والتضحية التي تملكت النماذج الثلاثة المذكورة يمكن البناء عليها للوصول إلى جيل مؤمن بوطن لافرق فيه بين مسيحي ومسلم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة