التظاهرات رفعت لافتات تقليدية لأزمات تتعلق بيوميات المواطن الإيراني الذي يزداد تشرداً وبطالة.
هل دفعت الشعوب الإيرانية ما يكفي من العذابات منذ مجيء الخميني إلى السلطة في سنة 1979؛ لتبدأ رحلة إعادة حساباتها مع النظام السياسي عند نهاية سنة 2017 في تظاهرة احتشد فيها الآلاف بمدينة مشهد، ثاني أكبر المدن كثافة في إيران.
أصوات الهتافات امتدت إلى مدن أخرى مرددة الموت للرئيس الإيراني حسن روحاني؛ بما يعني فقدان الأمل في إصلاح النظام، ودليلا على وصول الشعب إلى نقطة اليأس.
ربما هتاف الموت لروحاني لا يحتوي على روح الثورة، فالموت هنا عبارة شكلية تفسر غالباً كرغبة في تغيير شخصية بأخرى أكثر استجابة لمطالب جماهيرية عادة ما تستفيد منها الأحزاب أو القيادات المنافسة في اللعبة الديمقراطية، والتمهيد لإعداد وصياغة المتغيرات في توجهات الناخب قبل فترة طويلة من الانتخابات.
لكن ماذا عن الهتاف بموت الدكتاتور، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي بما لها من مدلولات على مكامن السخط على نظام الولي الفقيه أو الملالي؛ لأنه يمثّل مرجعية عقائدية، دينية ومذهبية لنسبة كبيرة من الإيرانيين، إضافة إلى مكانته النفسية الضاغطة على القوى المتنفذة وتشكيلاتها من حرس ثوري وقوات مسلحة وأجهزة أمنية معروفة بتاريخها القمعي للأصوات المعارضة.
التظاهرات رفعت لافتات تقليدية لأزمات تتعلق بيوميات المواطن الإيراني الذي يزداد تشرداً وبطالة؛ فنسب التراجع تضع ثلث سكان إيران تحت خط الفقر، أي عدم قدرة هؤلاء على توفير المستلزمات الأساسية لإدامة العيش كالسكن والطعام والملبس والصحة.
ما يلفت النظر هي الشعارات المرفوعة في التظاهرات ضد تدخلات نظامهم النازي في الدول العربية وتحديداً سوريا ولبنان وغزة، مطالبين بالانصراف إلى الشؤون الداخلية والالتفات إلى هموم المواطن الإيراني
المنظمات الإنسانية والحقوقية ترصد تفاقم ظاهرة المشردين في الشوارع أو النوم بما يشبه القبور أو امتهان عمليات إيذاء النفس في حوادث السير للحصول على تعويضات أو مأوى مؤقت أو علاجات مجانية؛ بما يلخص الحالة المزرية لامتدادات الفقر المرافقة لامتدادات الإرهاب في المنطقة.
الأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية رغم الاتفاق النووي مع إيران وإطلاق المليارات من العملة الصعبة للنظام، تنعكس على الشارع وسوق العمل لسوء استخدام الأموال وسيطرة الأيديولوجيا على الإنفاق العسكري والتسلح وإدامة الأذرع المليشياوية لاستمرار الصراع في سوريا واليمن ولبنان ودعم الحركات والمنظمات والمجموعات المرتبطة بها وبمختلف أنشطتها الإرهابية في العالم.
تم تسريح الآلاف من العاملين لإفلاس عدد من الشركات وعزوف بعضها الآخر عن الاستثمار لمخاوف رأس المال من احتمالات تدهور الأمن بسبب السياسات الإيرانية، مع علم بعض المؤسسات الأوروبية بحجم التسهيلات التي يقدمها النظام الإيراني لاستقطابها بما يتناسب مع عطش السوق لمختلف السلع والأنشطة الاقتصادية.
ما يلفت النظر هي الشعارات المرفوعة في التظاهرات ضد تدخلات نظامهم النازي في الدول العربية وتحديداً سوريا ولبنان وغزة، مطالبين بالانصراف إلى الشؤون الداخلية والالتفات إلى هموم المواطن الإيراني.
يلاحظ غياب العراق كدولة محورية في الأهداف الإيرانية من اللافتات لإدراكهم، أي المتظاهرين، أن العراق لا يكلّف إيران شيئاً من ثرواتها أو دماء أبنائها، بل إن العراق أسهم في تدعيم مقوّمات الدولة الإيرانية بالالتفاف على العقوبات الدولية بشتى وسائل الاحتيال في فترة حكومة نوري المالكي التي سعت إلى تسخير مواردها خدمة لولاية الفقيه، وضحّت بشباب العراق ليقاتلوا نيابة عن الحرس الثوري لتثبيت المواقف الإيرانية في العراق وسوريا، أو بما يتم الإعداد والتحضير له على الأرض اللبنانية عبر رسائل مصورة لقادة مليشيات عراقية يقدمون القضية الفلسطينية ومدينة القدس كجواز سفر للتوطئة لتحركاتهم المشبوهة.
الإيرانيون يعتبرون العراق ضمن تروس ماكينتهم الإعلامية منذ عقود كجزء من طموحاتهم المذهبية والاستيطانية، ولتلك غصة ينبغي أن تنبري لها كل فصائل المقاومة الإيرانية الواعدة بالتغيير لتتبنى مسبقاً رؤى الشعوب الإيرانية، ومنها حق الشعب العربي في الأحواز بحياة حرة تستجاب فيها مطالبه بتعهدات من أجل إرساء الثقة بإيران قادمة.
إدانة الإسلام السياسي متمثلة بنظام الولي الفقيه ومن قلب التظاهرات في مدينة مشهد، يعمم الاستياء البالغ من الأحزاب الإسلامية في العراق، وهي أحزاب تنوء بتجاربها المركبة من ولائها العقائدي والفكري للمرشد ومن ولائها لبرنامجها الطائفي والمليشياوي في إدارة العراق بمناورة مكشوفة ومخطط لها بحرق مراحل الحكم، كما في استهجان نوري المالكي لنظام المحاصصة الذي بنيت عليه العملية السياسية، أو بدعوة زعماء المليشيات الإيرانية الطائفية لإقامة دولة مدنية بنظام الكتلة السياسية الأكبر، الذي سيفضي إلى كتلة خرسانية بذات الشخوص والأهداف، مع خبرة عمّقتها سنوات إقصاء العراقيين لصالح تفرد المليشيات بالمشهد السياسي.
منظمة حقوق الإنسان تحدثت عن تورط كتائب من المقاتلين الأيزيديين، التابعين للحشد الشعبي، بإخفاء وقتل أسر من قبيلتي متيوت والجحيش بعمليات ثأر وانتقام عشوائية، وهو ما تناولناه في موضوع مستقل مع بداية معارك تحرير الموصل من داعش ونبهنا إليه كهواجس من ردود الأفعال أو الاستقواء بفوضى السلاح حتى بين المجموعات المتجانسة دينيا أو مذهبيا أو قوميا أو عرقيا.
تسعى حكومة حزب الدعوة إلى اغتنام دحر المدن لتطبيق سياساتها كحكومة منتصرة، وعلى الجميع التنفيذ والإيحاء بأن السلاح بيد الدولة وأن كل التقارير غير موثوق بها، وتجنيدها في الخفاء لاتهام من تشاء بنشر وثائق للترويج لنصرة إرهاب داعش أو غيره للنيل من الانتصار، أو لإشاعة عدم الثقة بين العراقيين أو للإساءة إلى دور الحشد الشعبي في الموصل والمدن المحررة، هكذا تبرر الحكومة برامجها، مشهد إيران عام 2018 ينبئ ببداية الخلاص من وكر الفتنة ومعه كل غثاء السيل من أحزاب ومليشيات الطاعون الطائفي.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة