وسط تحديات التغيرات المناخية.. 5 تقنيات "تقلب" مستقبل الزراعة عالمياً
المجال الزراعي في ظل تغيرات المناخ
مع تفاقم تبعات تغير المناخ، تتصاعد احتمالات بأن تواجه الزراعة بعض التحديات الهائلة في السنوات القادمة.
سيتأثر إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية في بعض المناطق سلبًا بالتداعيات المباشرة لتغير المناخ (مثل الاتجاهات المتزايدة في درجات الحرارة خلال النهار والليل؛ والتغيرات في أنماط هطول الأمطار؛ وزيادة تواتر الظواهر المناخية المتطرفة والفيضانات والجفاف) وما يترتب على ذلك من آثار ثانوية (مثل زيادة الآفات والأمراض مثل أسراب الجراد التي اجتاحت شرق إفريقيا في عام 2020، فضلًا عن انخفاض إنتاج المحاصيل والأعلاف وجودتها والأضرار التي ستلحق بالبنية التحتية). في حين أن تأثيرات تغير المناخ على الإنتاج الزراعي المستقبلي في بعض المناطق لا تزال غير مؤكدة؛ فإن قدرة المنتجين على التكيف مع تغير المناخ من خلال قرارات الزراعة والممارسات الزراعية واستخدام التكنولوجيا يمكن أن تقلل من تأثيرها السلبي على الإنتاج.
الحلول التكنولوجية الجديدة للمساعدة في التأقلم
يمكن للمزارعين قريبًا اللجوء إلى الحلول التكنولوجية الجديدة للمساعدة في التأقلم، والتي يتم استعراضها كما يلي:
أولًا: بذور الزراعة الذاتية
أصبحت حرائق الغابات أكبر وأكثر تواترًا مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، مما أدى في بعض الأحيان إلى تدمير الغطاء النباتي على سفوح الجبال التي يصعب الوصول إليها. وفي ضوء ذلك، وكحل ممكن لإعادة تلك المنحدرات الجبلية إلى الحياة؛ يتصور العلماء أنه يمكن أن يتم الاستعانة بالطائرات بدون طيار لإسقاط البذور الشجرية على الجبال. هذا، وقد ابتكرت "لينينج ياو"، مهندسة ميكانيكية في جامعة كارنيجي ميلون في بنسلفانيا، جهازًا للمساعدة في التأكد من أن البذور التي تسقطها الطائرات بدون طيار تنبت في الشتلات. بحسب ما ذكرته مجلة وال ستريت جورنال
تبدو البذور الذاتية سحرية!
تُحمل بذور هذه النباتات داخل ساق رقيقة ملفوفة بإحكام مصنوعة من صفائح رقيقة من الخشب ومثبتة في بذرة. وأثناء هطول الأمطار أو الرطوبة المرتفعة، تقوم السيقان التي تشبه المفتاح بغرس البذور في التربة، حيث يمكن أن تتجذر وتكون في مأمن من الطيور الجائعة والظروف البيئية القاسية. هذا، وأظهرت ياو وزملاؤها في دراسة نشرت في فبراير في مجلة نيتشر بعنوان "ناقلات البذور ذاتية الغرس للبذر الجوي"، أن البذور ذات الذيول حققت نجاحًا بنسبة 80٪ على الأقل في الاختبارات المعملية.
ثانيًّا: مستشعرات نباتية
يمكن لأجهزة الاستشعار الصغيرة والمرنة الموضوعة على أوراق النباتات أن تراقب كيف يتعامل المحصول مع الضغوطات البيئية، من نوبات الحر والجفاف إلى نقص العناصر الغذائية بسبب عناصر التربة التي تجرفها الأمطار الغزيرة، كما يذكر "يونغ تشو"، المهندس الميكانيكي في ولاية كارولينا الشمالية جامعة الدولة؛ يُمكن لأجهزة الاستشعار جمع معلومات مثل الترطيب ودرجة الحرارة في النباتات وبيئتها المباشرة، بالإضافة إلى الهرمونات الكيميائية التي يفرزها النبات استجابة للعدوى أو الإجهاد البيئي.
هذا، وأفاد الفريق البحثي في دراسة نُشرت في مجلة Science Advances في أبريل / نيسان 2023، أن المستشعرات المصنوعة من مواد نانوية من الفضة والذهب والكربون مدمجة في بوليمر مرن، كانت قادرة على اكتشاف العدوى في نباتات الطماطم في غضون أربعة أيام. فضلًا عن أنه يمكن لمثل هذه المستشعرات أن تقدم تقريرًا مفصلًا لكل محصول، مما يسمح بالتوصيل الدقيق للمياه أو الأسمدة فقط عندما يحتاجها النبات، كما يذكر الفريق البحثي، إن الإصدارات المستقبلية من أجهزة الاستشعار، يُمكن أن تكون مصنوعة من مواد رخيصة ومتينة وقابلة للتحلل الحيوي تعمل بالطاقة الشمسية وتنقل البيانات البيئية لاسلكيًا.
ثالثًا: خلايا نحل ذات تقنية عالية
يجني المزارعون مكاسب كبيرة عندما يتم تلقيح محاصيلهم بواسطة النحل؛ حيث يُستخدم النحل الطنان لتلقيح المحاصيل منذ أواخر الثمانينيات. حتى يومنا هذا، لا يزال النحل الطنان مصدرًا موثوقًا للغاية للتلقيح، خاصة في محاصيل الطماطم. هذا، ويساهم أيضًا النحل الطنان في تقليل المخلفات الكيميائية في الثمار.
تجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ، قد ساهم في خفض أعداد النحل؛ حيث يؤدي تغير المناخ إلى تغيير مواسم الازدهار التي يعتمد عليها النحل لدعم مخازن الغذاء. هذا، ويتسبب موسم البرد القارس في فصول الشتاء؛ إلى تراجع النحل إلى الخلية واعتماده على طعامه المُخزن، والذي إذا نفد، يموت جوعاً.
من هذا المنطلق، سعى فريق من علماء الروبوتات في أوروبا في تغيير هذا الوضع، من خلال بناء جهاز يراقب درجات حرارة مستعمرة النحل خلال فصل الشتاء داخل خلايا النحل الخشبية المستخدمة في الزراعة.
أفاد الفريق في دراسة نشرت في مجلة Science Robotics في مارس 2023، أن الباحثين قاموا باختراع تقنيات عالية لتسخين وتدفئة خلايا النحل في فصول الشتاء -حيث تتجمد خلايا النحل بفعل درجات الحرارة القارسة- واستطاع الباحثون في الحفاظ على النحل على قيد الحياة لمدة شهرين أطول مما كان عليه في ذلك الموسم.
هذا، وتجدر الإشارة إلى إن خلايا النحل ليست جاهزة للانطلاق؛ حيث إن تشييدها خارج منشأة معملية، يُصبح عالي التكلفة؛ لأنها تحتاج إلى مصدر طاقة خارجي لإبقائها نشطة.
- الزراعة العمودية.. رحلة من الأسطورة إلى الإمارات ومصر
- نحو مناخ مستدام.. الزراعة الأوروبية بلا مبيدات كيميائية بحلول 2050
رابعًا: الزراعة العمودية
يقوم المزارعون في أكثر من 40 دولة في حالة الرطوبة أو الحرارة الشديدة، بزراعة المحاصيل في حاويات عالية التقنية، على سبيل المثال، الخضراوات الورقية مثل الخس واللفت والفجل، التي تنمو في صفوف عمودية مصممة خصيصًا، ومضاءة بمصابيح زراعية -ليد- لإعادة إنتاج الإشعاع الشمسي، ويتم مراقبتها عن كثب من أجل التغذية وحموضة المياه ودرجة الحرارة وغير ذلك.
ووفقًا لديفيد هاريس، مدير أبحاث المحاصيل، يذهب أكثر من ثلثي المياه العذبة المستخدمة على مستوى العالم للزراعة. في العديد من الأماكن، من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى إبقاء المياه شحيحة حتى مع زيادة الطلب. وبالتالي فإن زراعة النباتات في الماء بدلاً من التربة -ما يُعرف بالزراعة المائية- يمكن أن يخفف من الأزمة لأنها تستخدم كميات أقل من المياه بشكل عام. هذا، وبالمقارنة مع الخس الميداني المزروع في ولاية أريزونا، فإن الخس في الحاويات يستخدم حوالي 0.3 ٪ من الماء لكل رأس.
كما يذكر هاريس أن الطاقة المستخدمة لتشغيل الحاويات تشكل عقبة أمام تبني الزراعة العمودية على نطاق واسع؛ حيث تستخدم الحاويات في المتوسط حوالي 170-270 كيلووات / ساعة من الطاقة يوميًا، أي أكثر من 5 أضعاف ما يستخدمه المستهلك الأمريكي العادي. يقول هاريس إنه من الأرخص حاليًا زراعة بعض النباتات مثل الذرة في الحقول.
خامسًا: روبوت حصادات الفاكهة
مع تغير مواسم الزراعة مع تغير المناخ، قد تكون الفاكهة جاهزة في وقت أقرب مما يتوقعه المزارعون. من هذا المنطلق، أدخلت شركة «تيفيل أيروبوتيكس تكنولوجيز» سربًا من الروبوتات؛ لقطف الفاكهة عندما ينضج الثمار؛ حيث يستخدم الذكاء الصناعي لتحديد الفواكه الناضجة وقطفها. وصرحت الشركة أن روبوتها الطائر يمكن أن يعمل في أي مكان وأن يسد الحاجة إلى اليد العاملة بكلفة أقل من خلال اعتماد إدارة أفضل للبساتين
وفقًا لإيتاي ماروم، المدير العام للولايات المتحدة في تيفيل، يستخدم الروبوت الجديد خوارزميات الذكاء الصناعي الإدراكية لتحديد موقع الأشجار، وأخرى بصرية لرصد الفواكه بين الأوراق. يعتبر التوقيت عنصرًا شديد الأهمية في عملية قطف الثمار لا سيما أن الفواكه التي يتم قطفها بعد أسبوعين على نضوجها مثلًا تفقد 80%من قيمتها.
يحصد هذا الروبوت الفواكه الناضجة فقط من خلال تقييم حجمها ودرجة نضجها ويتميز بفعالية كبرى في أداء هذه المهمة. بعد رصد الثمرة الناضجة، يختار الروبوت أفضل طريق للاقتراب منها ويستخدم ذراعه المخصصة للقطف للإمساك بها.
يمكن استخدام أكثر من روبوت لحصاد بستان واحد تعمل مع بعضها دون تصادم بفضل الدماغ الرقمي الذي يتحكم بها من وحدة مركزية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الروبوتات تستطيع العمل لأربع وعشرين ساعة متواصلة في اليوم، كما إيطاليا وتشيلي؛ حيث حصد الروبوتات ثمار التفاح، وفي كاليفورنيا، حصد الخوخ والبرقوق.
aXA6IDEzLjU5LjczLjI0OCA= جزيرة ام اند امز