«غودريج».. ملك الأقفال الذي يحرس بيوت الهند منذ 120 عاما

عندما تدخل أي منزل في الهند اليوم، ستجد على الأرجح شيئا يحمل اسم شركة غودريج (Godrej)، ربما قفل الباب الأمامي، أو ثلاجة المطبخ، أو صابون الحمّام.
أصبح الاسم مرادفا للجودة والموثوقية في الحياة اليومية، إلى درجة أن الهنود يثقون به كما يثقون بصديقٍ قديم. لكن السؤال هو: كيف تحولت ورشة صغيرة إلى عملاق صناعي يلامس حياة كل أسرة هندية تقريبا؟
حلم شاب يرفض الاستسلام
تبدأ القصة برجل اسمه أردشير بورجورجي غودريج، الذي وُلد عام 1868 في مومباي (التي كانت تعرف آنذاك باسم بومباي).
كان والده محاميا متوسط الدخل، ولم تكن العائلة ثرية، لكنها كانت متماسكة. وكان من الطبيعي أن يسير أردشير على خطى والده ويدخل مجال المحاماة، لكن طموحاته كانت أبعد بكثير من المكاتب القانونية.
منذ صغره، كان مولعا بالاختراع والعمل بيديه، وحلم بتأسيس مشروعٍ يصنع شيئا جديدا من الصفر.
لكن في أواخر القرن التاسع عشر، كان هذا الطموح يبدو شبه مستحيل، إذ كانت الهند تحت الحكم البريطاني، وكل ما يشتريه الناس تقريبا كان مستوردا من إنجلترا.
وكان أكثر ما يثير استياء أردشير هو النظرة الدونية للمنتجات الهندية؛ فالجميع كان يعتقد أن الجودة لا تأتي إلا من الخارج، وأن الهنديين غير قادرين على تصنيع منتجات موثوقة.
فكرة التحدي
رفض أردشير هذا الاعتقاد رفضا قاطعًا. نظر حوله فرأى حرفيين وعمالًا مهرة، يحتاجون فقط إلى الثقة والفرصة. ومن هنا، بدأ حلمه الكبير: إثبات أن الهند قادرة على إنتاج ما هو أجود من الصناعات البريطانية نفسها. غير أن الطريق إلى النجاح لم يكن سهلًا.
في عام 1897، أطلق أردشير وشقيقه بيروجشا أول مشاريعهما، ورشة صغيرة لصناعة الأدوات الجراحية في حي لالباغ بمومباي.
عملا بإصرار، لكنهما اصطدما بعقبة قاسية: لم يشترِ الأطباء منتجاتهما، مفضلين الأدوات المستوردة من بريطانيا، لاعتقادهم بأنها أكثر جودة.
انهار المشروع وخسرا أموالهما، لكن أردشير لم يفقد الأمل.
من الفشل إلى الابتكار
بدلاً من الاستسلام، قرر أن يتعلم من التجربة. أدرك أن نجاح أي منتج يعتمد على الحاجة الفعلية في السوق، لا على براعة الفكرة فقط.
جلس يتأمل واقع الناس في مدينته، ولاحظ أن الأقفال كانت حاجة يومية لكل منزل ومتجر، لكنها إما باهظة الثمن لأنها مستوردة، أو رخيصة وسهلة الكسر إذا كانت محلية الصنع.
ومن هنا وُلِدت الفكرة التي غيّرت مجرى حياته: لماذا لا نصنع أقفالًا هندية قوية وآمنة وبأسعار معقولة؟
بين عامي 1897 و1902، كرّس الأخوان كل جهدهما لتطوير قفل مثالي.
جربا تصاميم متعددة، واستخدما مواد مختلفة، وفشلا مرارا، إلى أن توصلا أخيرا إلى قفل متين مبتكر في عام 1902، يجمع بين القوة والسعر المناسب.
لكن التحدي الحقيقي لم يكن في التصنيع، بل في كسب ثقة الجمهور. فالمستهلكون ظلوا متشككين في المنتجات المحلية، واعتادوا على شراء الأقفال البريطانية حصراً.
ابتكر أردشير خطة جريئة لتغيير هذه النظرة: أطلق تحديًا علنيًا، أعلن فيه أنه سيُكافئ أي شخص يستطيع كسر أقفال غودريج أو فتحها دون مفتاح.
وانتشرت الإعلانات في المدينة، وتحوّلت إلى ظاهرة حديث الناس. توافد الجميع للمحاولة، لكن لم يتمكن أحد من كسر القفل. ومن تلك اللحظة، تغيّر كل شيء.
بدأ الناس ينظرون إلى الأقفال الهندية بإعجاب واحترام، وانهالت الطلبات على ورشة الأخوين.
تحوّل اسم "غودريج" إلى رمزٍ للجودة المحلية والتحدي الوطني، وولدت الإمبراطورية من رحم فكرة واحدة وشجاعة رجلٍ آمن بقدرات بلده.
الثقة قبل الربح
ما ميّز أردشير لم يكن منتجه فحسب، بل فلسفته في العمل. فقد آمن أن الطريق الأسرع للخسارة هو التنازل عن الجودة لأجل المكاسب السريعة.
وكان يقول دائمًا: "من يفقد ثقة الناس، يفقد كل شيء."
حتى في أصعب الأوقات المالية، رفض أن يترك مصنعه يُخرج قفلًا فيه عيب واحد. كل قطعة تُغادر ورشته كانت تخضع للفحص الدقيق، وإلا لن تُباع مهما كانت الظروف.
كما تميّز أردشير بتعامله الإنساني مع موظفيه، في وقتٍ كانت فيه قسوة أرباب العمل أمراً شائعاً. دفع أجورًا عادلة، وحرص على نظافة الورشة وسلامتها، واستمع إلى العمال وأفكارهم.
وقد أدرك مبكرًا أن الاحترام يولّد الولاء، وأن العامل السعيد يُنتج بجودة أعلى، وهو درس لا يزال صالحًا في عالم الأعمال اليوم.
بعد أكثر من 120 عامًا، لا تزال شركة Godrej تُجسّد روح مؤسسها: الإتقان، والثقة، والاعتزاز بالقدرة المحلية.
تحوّل اسمها إلى علامة هندية أيقونية تمتد من المنتجات المنزلية إلى الصناعات الثقيلة، وباتت رمزًا لفخر وطني صُنع بالإصرار والعمل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز