سقوط جدار القطيعة بين دول الخليج وإسرائيل يشكّل تغييراً كبيراً في المعادلات والتوازنات، ويفتح آفاقاً اقتصادية وسياسية وأمنية.
في بيت واشنطن الأبيض، وقّعت الإمارات والبحرين وإسرائيل معاهدات سلام تاريخيّة، وذلك بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حفل وصف بأنه اختراق كبير لحالة العداء الخليجي الإسرائيلي، وأن أجواء التفاؤل التي سادته قد تفتح الطريق أمام معاهدات أخرى. وذلك ما أكده الرئيس الأمريكي في كلمته قبل بدء مراسم التوقيع، إن خمس أو ست دول أخرى قد تنضم إلى هذا المسار، دون تسمية هذه الدول.
هذه المعاهدة التاريخية ستغيّر وجه المنطقة. إنه منطق السيادة والواقعية السياسية وتأكيد على أن محور الاستقرار في المنطقة مثلما استطاع أن يحفظ الدولة الوطنية وأن يواجه مشاريع الفوضى، سيستطيع أن يؤسس لمشروع واقعي للسلام في المنطقة يعزز الاستقرار ويمثّل لحظة محورية في الشرق الأوسط وفي العالم، وخسارة كبرى لقوى الشر والإرهاب في طهران وأنقرة والدوحة وتوابعهم من ميليشيات الإخوان وحزب الله، لأنه سوف يفسد على هؤلاء المتاجرين بالقضية ورقتهم الأهم، وسيقدم نموذجاً يكشف للشارع العربي والإسلامي ضلال الحقبة السابقة مع تلك القوى المتاجرة بالقضية، ووضوح وشجاعة الخطوات الحالية التي تمثلها المعاهدة.
تكمن أهمية السلام الخليجي الإسرائيلي في ضرورة تشكيل محور جديد يكون فيه الرهان على الدول المفيدة مثل إسرائيل لمواجهة المتغيرات الكبرى التي تحدث في المنطقة، فإيران اليوم تحتل أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتركيا تحتل مناطق في سوريا والعراق وليبيا. قادة الخليج أدركوا أن هذه الطموحات التوسعية لطهران وأنقرة هي التهديد الحقيقي لأمن واستقرار دول الخليج العربي، هذا غير أن الشعوب الخليجية الواعية أصبحت تطالب قياداتها بجعل مصالحهم أولاً ومقدمة على مصالح غيرهم، وهم محقون في ذلك، والسلام الخليجي الإسرائيلي يقدم استجابة لهذه المطالب مع الأسباب الرئيسية المتمثلة في مواجهة التهديد القادم من طهران وأنقرة والتعاون المثمر مع تل أبيب.
أما فيما يخص القضية الفلسطينية فقد بذلت دول الخليج جهوداً سياسية بارزة ودعمت بأموالها طوال العقود الماضية ولا زالت تفعل لأجل هذه القضية المهمة، ولكن تخاصم القادة الفلسطينيين تسبب بفشل كل تلك الجهود الكبرى، وأصبحوا هم العائق أمام نيل الحق وتأسيس الدولة. ولذلك من الطبيعي أن تلتفت دول الخليج لما يخدم مصالحها العليا أولاً، فلم يعد ممكناً خدمة من لم يخدم نفسه.
سقوط جدار القطيعة بين دول الخليج وإسرائيل يشكّل تغييراً كبيراً في المعادلات والتوازنات، ويفتح آفاقاً اقتصادية وسياسية وأمنية كانت مغلقة منذ عقود. وبالتأكيد سيكون التعاون المثمر مع دولة كإسرائيل لا يمكن إنكار تقدمها على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والتقنية، في خدمة مصالح الخليج الوطنية، وسيكون له أطيب الأثر على أمنه الوطني، ولها جهدها الحثيث في مواجهة الإرهاب.
اليوم على العالم أن يدرك أنه أمام لحظة تاريخية لدعم وبناء مستقبل جديد في المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم من خلال إيمانه بالمشاريع والكيانات المدنية المستقبلية المعتدلة في مواجهة كيانات التطرف والرهانات الخاسرة غير الواقعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة