الطموح المبيت والمضمر الذي تجلى في محاولات يائسة للزعامة والقيادة عبر دعم كل تحرك في المنطقة العربية إبان فترة الثورات المشؤومة.
المراقب للتصرفات التركية في السنوات الأخيرة تجاه الدول العربية التي كانت أقرب الأقربين إليها قبل ثورات الخراب العربي لا يملك إلا أن يضرب كفا على كف أسفا على ما بذلته هذه الدول حكومات وشعوبا من إخلاص في العلاقة التي كانت على مستوى التحالف الاستراتيجي في مختلف المستويات والمسارات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
بقليل من التركيز في شكل التحالف التركي القطري ذي الملامح الضبابية يتضح أنه تحالف مبني على ما يحقق مصلحة الميزانية التركية المتآكلة عبر استنزاف واستحلاب الميزانية القطرية، التي تعاني هي الأخرى كثيرا جراء استثمارها الفاشل في دعم مليشيات الشر الإخوانية
المتابع لتلك العلاقة التي أدار الأتراك لها الظهور لا يخطئ كيف كانت تركيا الخيار الأول بين كل الخيارات في أي مناسبة، والأسباب في ذلك كانت منطقية وطبيعية وعملية، ولو عددنا المتقاطعات بين العرب والأتراك لوجدناها كثيرة.
على رأس تلك المتقاطعات الجغرافيا والدين والمصالح المشتركة وغيرها.. فما الذي دفع تركيا "أردوغان" لأن تتخلى عن كل تلك المميزات التي تشكل مسوغات شرعية لتلك العلاقة الفريدة؟
رفع الساسة الأتراك قبل عام 2013 شعار "تصفير المشاكل مع الجميع"، ونجحوا في تحقيق ذلك إلى حد بعيد مكنهم من تأسيس قاعدة ثقة قوية مع مراكز القوى التقليدية الغربية والعربية قربتهم من طموحهم الكبير المتمثل في دخولهم إلى النادي الأوروبي ومنطقة اليورو.. إلا أن النوايا لم تكن صافية والأولويات لم تكن معلنة للأقربين منهم داخل بيتهم، فتهالك البيت من الداخل وتمثل ذلك التهالك في الإطاحة بكل من شكل عقبة في طريق تلك الأولويات التي كان يضمرها حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم واضع نظرية (صفر مشاكل) أحمد داود أوغلو، الذي دافع عن نظريته بضراوة، والذي لم يشفع له انتماؤه لبيت العدالة والتنمية فأطاح به مخطط الأولويات والولاءات الإيديولوجية لتنظيم الشر الدولي.. تنظيم الإخوان المتأسلمين.
بعد الإطاحة بداود أوغلو شكل القضاء على فتح الله غولن وجماعته أهم الأولويات، وتابع الجميع كيف تمت التضحية بمن اعتبر يوما أستاذا ومعلما لأردوغان ورفاقه.
كل ذلك كان بالتوازي مع الطموح المبيت والمضمر الذي تجلى في محاولات يائسة للزعامة والقيادة عبر دعم كل تحرك في المنطقة العربية إبان فترة الثورات المشؤومة.. فدعم الأتراك "إخوان" المنطقة العربية بشتى السبل المباشرة وغير المباشرة، ودخلت تركيا إلى نفق التحالف المظلم مع قيادة الإخوان العربية في قطر المتمثلة في تنظيم الحمدين ومنظّرهم القرضاوي.
وبقليل من التركيز في شكل التحالف التركي القطري ذي الملامح الضبابية يتضح أنه تحالف مبني على ما يحقق مصلحة الميزانية التركية المتآكلة عبر استنزاف واستحلاب الميزانية القطرية، التي تعاني هي الأخرى كثيرا جراء استثمارها الفاشل في دعم مليشيات الشر الإخوانية لأكثر من عشر سنوات بميزانيات مفتوحة.
وبدلا من الاعتراف بالذنب وتغليب صوت الحكمة واحترام مناشدات كبار البيت العربي، فضلت قطر الاستماتة في "تحالف الوهم" ظنا منها أنها ستنجح بما تبقى لديها من أموال في فرض أمر واقع ستكون في واجهته يوما ما، ولكن هيهات.. فما يخرج من ميزانية قطر ما هو إلا ذر للأموال في مقابل وهم يتلاشى ويضمحل يوما بعد آخر.. تمويل لمليشيات في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.. إضافة لتمويل خدمات أمنية تركية بالمليارات، وتمويل قنوات فضائية تبث سرابا من تركيا لا تؤمن بجدواها تركيا ذاتها، وإلا فلم لا تمولها من ميزانيتها الخاصة.. هذا فضلا عن الاستمرار في دعمها لمليشيات الحوثي الانقلابية وأسيادها في طهران وهذا بحد ذاته مثار دهشة.
حين يتلاشى السراب ستكون الفاتورة قد تجاوزت الحد وسيكون سدادها صعبا وقاسيا.. وحينها سيعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت من الرشاد سبيلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة