فيما كانت أنقرة تستعد لتسريع عمليات عفرين بالتنسيق مع الجيش السوري الحر ، تحركت المقاتلات الإسرائيلية للوصول إلى العمق السوري
فيما كانت أنقرة تستعد لتسريع عمليات عفرين العسكرية بالتنسيق مع الجيش السوري الحر ضد قوات سوريا الديمقراطية، تحركت المقاتلات الإسرائيلية للوصول إلى العمق السوري واستهداف مواقع سورية وإيرانية في عملية تحمل أكثر من رسالة وموقف.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الذي دعا كلا من سوريا وإسرائيل إلى العمل فورا وبدون شروط؛ من أجل وقف التصعيد وممارسة ضبط النفس، يعرف أكثر من غيره أن المشكلة ليست بين البلدين، بل بين تل أبيب وطهران؛ بسبب سياسة التمدد والانتشار الإيراني العسكري الاستراتيجي في سوريا ومحاولات الوصول إلى نقاط الحدود في الجولان.
تركيا وقفت إلى جانب إيران علنا خلال موجات الاحتجاجات التي عصفت بالمدن الإيرانية الشهر المنصرم، ونددت بالمقابل بسياسة إيران السورية أكثر من مرة، لكن اللافت هنا هو الصمت التركي حتى الآن حيال الغارات العسكرية الإسرائيلية وتجاهل مخاطر المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية على حساباتها السورية والإقليمية.
روسيا المنزعجة من انتفاخ كرة اللهب السورية، تريد أن تحسم موضوع الصراع على النفوذ هناك مع إيران عبر إفساح المجال لإسرائيل لترجمة المطلوب، بعدما عجزت موسكو وواشنطن في إيصال رسائلهما للأتراك والإيرانيين
الدخول العسكري الإسرائيلي إلى الأجواء السورية يطرح الكثير من السيناريوهات والاحتمالات، ويوجه رسائل مباشرة لتركيا أيضا:
أول ما في الجعبة الإسرائيلية قد يكون تبرع تل أبيب لإيصال برقية أمريكية لأنقرة، أن الصمت الأمريكي في عفرين لن يتكرر في منبج، وأن رسائل البنتاجون واضحة بهذا الخصوص.
الرسالة الثانية قد تكون تحذيرية بضرورة قبول تركيا لحقيقة أن عملية عفرين تزداد تشابكا وتعقيدا، وأنه لابد من قبول صيغة تسوية سياسية بدلا من محاولات الحسم العسكري.
التدخل الإسرائيلي هذا قد يفسر نظريا من قبل الأتراك بأنه لا يعني أنقرة كثيرا، ولا يؤثر على حساباتها وخططها السورية، لكنه عمليا وفي شقه التركي، يقلق القيادة السياسية التركية؛ لأنه سيتعارض مع التطلعات والأهداف التركية في سوريا، ويعرقل تقدمها على الأرض، إذا لم تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله تل أبيب، وربما من خلالها ما تريده واشنطن من مطالب وتعديل جذري في سياسة حزب العدالة والتنمية السورية.
أمريكا تختلف مع تركيا في موضوع قوات سوريا الديمقراطية وعملية عفرين، وإصرارها على الوصول إلى منبج، لكن إسرائيل تريد من خلال عمليتها هذه أن تذكر أنقرة أن إيران هي أول من وقف في وجهها وعارض دخولها العسكري إلى شمال سوريا في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وبالتالي لابد لأنقرة من أن تختار هنا بين تل أبيب وطهران؛ لأن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية واقعة لا محالة في جنوبي سوريا ولبنان.
تل أبيب تريد أن تفهم أنقرة أيضا أن إيران، ورغم حاجتها لتركيا إقليميا في مواجهة التصعيد الغربي والعربي ضدها، هي التي تعرقل السياسة التركية في سوريا، وتحرض النظام للتصعيد في مواجهة التدخل العسكري التركي، وتسعى لتعطيل التقارب التركي الروسي في أن يكون على حساب مصالحها هناك. الذي أسقط المقاتلة الروسية قبل أيام قد يكون هو نفسه الذي أسقط المقاتلة التركية في درع الفرات، والإجابة قد تكون عند طهران نفسها.
المواجهة التركية الإيرانية ستربك حسابات أنقرة الإقليمية وتتركها أمام مراجعة حقيقية لسياستها الإيرانية، وهذا ما تريد أن تقوله واشنطن لأنقرة عبر تل أبيب هذه المرة.
الدخول الأمريكي الإسرائيلي بهذا الشكل على خط الأزمة السورية يعكس حقيقة حجم التباعد التركي الروسي الإيراني في تحديد مسار التسوية السورية أولا، ثم إنه لا فرص لمحاولات فرض حلول بالقوة لتحديد شكل التفاهمات هناك على حساب بقية اللاعبين الإقليميين والدوليين ثانيا.
الرد الأمريكي السريع والحاسم في دير الزور يعني تركيا بشكل أو بآخر لكن الرسالة الحقيقية لأنقرة جاءت مع الغارات الإسرائيلية التي تطالب أنقرة بتحديد مواقفها وخياراتها حيال المرحلة المقبلة التي تتطلب اصطفافات واضحة لا فرص للتهرب أو المناورة أو محاولات التفاف عليها.
الإعلان عن موعد القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في الشهر المقبل، يعني أن موسكو تريد أن تتقاسم الكعكة السورية مع أمريكا؛ وهي لذلك تمنح واشنطن وتل أبيب الفرصة الكافية لتقولا ما عندهما في المشهد السوري الذي وصل إلى طريق مسدود، ويحتاج الكرملين إلى من يلعب دور المحرك الجديد لانتشاله من هذه الورطة.
تركيا لابد أنها تتابع عن قرب كل الاحتمالات والتحولات، وتدرك مخاطر ما يجري عبر السجال الجوي فوق سوريا:
قواعد اللعبة لا تتغير في سوريا وحدها بل على الحدود السورية المفتوحة مع دول الجوار أيضا.
إسرائيل ترفض التمدد والتموضع الإيراني في سوريا، لكنها تعطي الأولوية لحماية مناطقها الحدودية مع سوريا.
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية لن تبقى محصورة في الأجواء السورية بل ستنتقل سريعا إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
قرار واشنطن البقاء في سوريا الذي ربطته الإدارة الأمريكية بتعلم الدرس العراقي، يعني تل أبيب أيضا التي ارتكبت أخطاء كثيرة في حسابات السياسة الإيرانية الإقليمية وتحملت عبئا أساسيا في الأخطاء الأمريكية، وسياسة أوباما الإيرانية. الإدارة الأمريكية الجديدة لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي تصعيد بين تل أبيب وطهران، هذا إذا لم نقل إن البيت الأبيض متحمس لإسرائيل للقيام بعمليتها الأخيرة.
بالمقابل روسيا وضعها مختلف تماما، هنا هي تريد التهدئة والتوسط لتخفيف التوتر من أجل حماية مشروعها السوري، لكن واشنطن لن تسمح بذلك كما أثبتت قبل أيام مع الرد السريع والقاسي في مواجهة دير الزور، ورغم معرفتها بخطورة مثل هذه الخطوة على مسار العلاقات الأمريكية الروسية.
طهران ستأخذ دائما بعين الاعتبار احتمالات التفاهم التركي الإسرائيلي في سوريا، حتى ولو كانت أنقرة تشاطر إيران الطاولة الثلاثية في الآستانة. والمؤشر هنا هو ليس التصعيد الإيراني ضد الوجود التركي في عفرين، ومطالبة أنقرة بسحب قواتها فورا، بل تشجيع النظام السوري على فتح الطريق أمام انتقال المقاتلين الأكراد عبر طريق جنوب عفرين وتسهيل دخول الأسلحة إلى المدينة في رسالة سورية إيرانية مشتركة أن مهمة أنقرة هناك لن تكون سهلة.
نددت الولايات المتحدة بأنشطة إيران التي تضر بالمنطقة، وأعلنت في المقابل دعمها لإسرائيل عقب الغارات الجوية التي شنها جيشها في سوريا. الاختراق الإسرائيلي الواسع للأجواء السورية سيواكبه توغل سياسي واستراتيجي على الأرض يلزم أنقرة بتسلم رسائل خطورة الموقف واستعداد واشنطن لتحريك حليفها الإسرائيلي في سوريا لإلزامها هي أيضا بمراجعة مواقفها وسياساتها هناك.
قبل أسبوع كانت طهران تقول إن استمرار العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا قد يؤدي إلى عودة الإرهابيين إلى هناك، داعية أنقرة إلى احترام السيادة السورية. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقول إن عملية عفرين قد بدأت على الأرض، وستتبعها عملية منبج في شمال شرق سوريا، وستستمر حتى حدود العراق. رسائل طهران وصلت إلى موسكو قبل أن تصل إلى أنقرة، وما قاله الرئيس التركي كان باتجاه الكرملين قبل أن يصل إلى البيت الأبيض. التحرك الإسرائيلي قد يكون ترجمة لكل هذا التشابك في المشهد السوري في محاولة لتفكيك العقد وطرح سيناريو آخر في مسار الأزمة السورية.
من الممكن قبول مقولة أن الصراع على سوريا وفي سوريا لم يحسم بعد، ولم تتضح مسار الأمور رغم أكثر من عملية اختراق سياسي وعسكري في الأسابيع الأخيرة؛ للتأثير في معادلات المشهد العسكري والسياسي. لكن هناك حقيقة أخرى قد تكون وراء عملية خلط الأوراق في سوريا ومناطقها الحدودية، روسيا المنزعجة من انتفاخ كرة اللهب السورية تريد أن تحسم موضوع الصراع على النفوذ هناك مع إيران عبر إفساح المجال لإسرائيل لترجمة المطلوب، بعدما عجزت موسكو وواشنطن في إيصال رسائلهما للأتراك والإيرانيين.
ما يقال حول استعداد أنقرة لتقديم تنازلات سياسية في سوريا لصالح موسكو وطهران مقابل منظومة علاقات ثلاثية تحمي تراجع علاقاتها مع أمريكا وأوروبا، ستفشله إسرائيل عبر دخولها المفاجئ على خط الأزمة السورية، والذي سيقلب المعادلة رأسا على عقب. فمعادلة تركية من هذا النوع ستترك أنقرة أمام مواجهة خطورة ما تقوم به لناحية المساهمة في حماية الموقع والدور الإيراني، وهو ما لن يقبل به الكثير من العواصم في المنطقة.
التصعيد بين إسرائيل وإيران على هذا النحو واختيار موسكو البقاء على الحياد يعني بالنسبة لأنقرة؛ أنها ستأخذ بعين الاعتبار حقيقة مهمة أخرى تتقدم على الأرض في سوريا: روسيا غير منزعجة من التحرك الإسرائيلي الأخير؛ لأنه يخدم مصلحتها في إضعاف وتحجيم النفوذ الإيراني. وهي لن تعترض على إصرار أمريكي بحماية مصالح واشنطن الإقليمية عبر تركيا عسكريا واستراتيجيا، وإسرائيل لعبت دورا في توضيح المشهد هنا كما هو واضح. كان هناك تفاهمات أمريكية – روسية يبدو أنها ستتقدم بمنحى جديد أوسع وأشمل في سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة