مفاوضات الخرطوم و"الحلو".. ارتباك البدايات
سادت أجواء من التعثر مفاوضات غير رسمية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو.
لقاءات تمهيدية رعتها دولة جنوب السودان، تناولت الملفات الخلافية بين الجانبين، بهدف استكشاف مواقف الطرفين من القضايا الأساسية المطروحة على أجندة التفاوض.
ورغم إعلان الحركة الشعبية فشل المحاولة التمهيدية للتفاوض، إلا أن محللين اعتبروا أن لقاءات مماثلة تعد ميدانا للعصف الذهني حول القضايا الجوهرية، في مقدمتها علاقة الدين بالدولة للوصول إلى تفاهمات في ترتيب القضايا وتقريب وجهات النظر، مستبعدين نسف المفاوضات رغم تباعد مواقف الطرفين.
كما حملوا عدم وصول اللقاءات لنتائج إيجابية إلى ضعف خبرة وفدي التفاوض، مؤكدين ـ مع ذلك ـ وجود فرصة لتصحيح هذه الهنات.
بداية نقاش
المحلل السياسي السوداني مصطفي سري، اعتبر أن المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال، المنعقدة قبل أيام في جوبا، بداية للنقاش حول قضايا جوهرية، في مقدمتها مسألة العلمانية، للوصول إلى تفاهمات في الترتيب وتقريب وجهات النظر.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال سري: "بالطبع ليس تفاوضا بالشكل المعلوم، فهي ورشات عمل بدرجة أقل من التفاوض، أو محاولة لبناء الثقة بين المتفاوضين واكتساب خبرة من الخبراء المشرفين على العملية".
وتأتي المفاوضات غير الرسمية إنفاذا للاتفاق الذي توصل إليه، مؤخرا، رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ورئيس الحركة الشعبية الحلو في أديس أبابا، والذي نص على نقاش غير رسمي لقضية علاقة الدين بالدولة، ليتم استئناف المفاوضات الرسمية على ضوء نتائجه.
ووفق سري، فإن الطرفين اطلعا على تجارب دول أخرى في مسألة العلمانية ذات أوضاع مشابهة بالسودان".
واستدرك: "لكن يبدو أن الخبرة الضعيفة لوفد الحكومة المفاوض، بعكس وفد الحركة،أدت إلى عدم الاتفاق في القضايا الخلافية"، معتبرا أن هناك فرصة لمعالجة هذه المسألة.
والإثنين، أصدرت الحركة الشعبية بيانا حملت فيه عضو مجلس السيادة السوداني ورئيس وفد الحكومة الانتقالية، الفريق أول شمس الدين كباشي، فشل الورشات، بسبب رفضه مخرجاتها بعد قبوله بها، حيث هنأ المُسهِّلين خارج القاعة.
ولفت سري إلى وجود تجارب سابقة بين أطراف التفاوض، معتبرا أنه كان على وفد الحكومة أن يوقع على ما خلصت إليه المفاوضات لتأكيد حسن النية مع الطرف الآخر.
وأوضح أن الحكومة لم تحسم أمرها في المسألة، خاصة أن المكون العسكري متخوف من اتخاذ خطوات جادة في هذا الاتجاه ، وما زال بعضهم أسيرا للنظام السابق حول فصل الدين عن الدولة، وبالتالي يحاولون الاحتفاظ بما ورثوه من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
تباعد
وكسر اتفاق حمدوك والحلو جمود عملية التفاوض بين الطرفين، إثر تمسك الحركة الشعبية بفصل الدين عن الدولة أو إعطاء حق تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ذات الأغلبية غير المسلمة.
كما اعترضتا على رئاسة الفريق أول محمد حمدان حميدتي لوفد الحكومة السودانية التفاوضي، لكن حميدتي والحلو تجاوزا الخلاف بينهما خلال اجتماع رفيع رعته الوساطة الجنوبية في جوبا مؤخرا.
من جانبه، أكد المحلل السياسي حسام حيدر، تباعد المواقف بين وفدي الحكومة الإنتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال.
ورأى أن التباعد ظل عنواناً لجولات التفاوض طيلة الفترة الماضية، سواء بالتوقف تارةً او لقاءات عبر وسطاء الإتفاق.
وقال حيدر لـ"العين الإخبارية": "يبدو أن وفد الحكومة الانتقالية يريد نقل القضية لمناقشتها داخل المجلس التشريعي الإنتقالي أو المؤتمر الدستوري، الأمر الذي أشار إليه المبعوث الخاص للسودان دونالد بوث في أبريل/ نيسان الماضي".
وحينها ذكر بوث أن عملية السلام في السودان يجب أن تمر بشكل سلس بناء على مفاوضات جوبا التي انتهت باتفاق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأشار حيدر إلى تمسك الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بموقفها الواضح في بيانها الأخير، وتحميلها عضو مجلس السيادة الانتقالي شمس الدين كباشي الفشل الذي يقرأ أيضاً مع موقف سابق حول وجود حميدتي ضمن وفد الحكومة الانتقالية المفاوض.
وعلى ما يبدو، فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان تفضل أن يكون المفاوضون من مجلس الوزراء بناءً على تفاهمات سابقة تمت بين حمدوك والحلو، كان آخرها لقاء أديس أبابا.
وبالنسبة لـحيدر، فإن "الطرفين خاضا مفاوضات غالباً ما عقدت في ظروف مماثلة، ولذلك فإن التكتيكات تكون حاضرة لكسب نقاط تفاوضية، لكن لا أعتقد أن هذه الورشة قد تنسف العملية التفاوضية كلياً على الأقل في المستقبل القريب".
وتعد حركة الحلو التي تسيطر على مناطق واسعة بولاية جنوب كردفان، واحدة من الحلقات المفقودة لاستكمال عملية السلام في السودان، والتي بدأت باتفاق تاريخي بين الخرطوم وتحالف الجبهة الثورية.