في الوقت الذي يصرح فيه بابا الفاتيكان فرنسيس بأن «وباء العداء ضد مواطنين من أعراق أو أديان أخرى يلحق الضرر بأضعف فئات المجتمع»
في الوقت الذي يصرح فيه بابا الفاتيكان فرنسيس بأن «وباء العداء ضد مواطنين من أعراق أو أديان أخرى يلحق الضرر بأضعف فئات المجتمع»، حذر ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز من أهوال ثلاثينات القرن الماضي. تأتي هذه التحذيرات من البابا والأمير تشارلز بعد تزايد الحركات الشعوبية القومية في كل من فرنسا وإيطاليا وبولندا والمجر وأماكن أخرى في أوروبا لأسباب عدة، من بينها أزمة الهجرة التي شهدت وصول نحو 4.1 مليون طالب لجوء إلى أوروبا منذ بداية العام الماضي.
في المقابل نجد في منطقتنا العربية الإسلامية بعض الغلاة الذين يشنون هجوًما على كل من يهنئ المسيحيين العرب أو إخوتنا في الإنسانية في العالم المسيحي. والسؤال: لماذا ينشر البعض روح الكراهية للآخرين؟ ولماذا يصر بعض الأئمة على الدعاء في خطبهم على الآخر؟
كل ذلك يحصل في بلداننا العربية وأكثر، رغم حقيقة أن الإسلام هو دين المحبة والإخاء والتعايش مع الآخرين بسلام.
السؤال: لماذا نفتقد نحن العرب والمسلمين روح التسامح بشكل عام، والتسامح الديني بشكل خاص؟ التسامح الديني يعني السماح بوجود الآراء الدينية وأشكال العبادة المناقضة أو المختلفة مع المعتقد السائد.
يخطئ من يظن أن مفهوم التسامح الديني قديم ج ًدا... ظهر بظهور الأديان السماوية... مفهوم التسامح ظهر بعد الحروب الدينية الطويلة في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت على يد المصلح البروتستانتي مارتن لوثر عام 1541، حيث ربط التسامح بحرية المعتقد والإيمان والضمير، وتزامن ذلك مع بروز النزعة الإنسانية عند مجموعة من المصلحين اللاهوتيين المسيحيين. والهدف من المصالحة ليس على حساب المعتقدات الخاصة، ولكن من أجل العيش مًعا بوصفهم إخوة وأحبة ومواطنين.
السؤال لماذا تنتشر في مجتمعاتنا الحروب الدينية أو الطائفية؟ ولماذا لم يتحقق السلام والتعايش في المجتمع الواحد؟
التجربة الأوروبية تخبرنا بأن روح التسامح لا تنتشر إلا بإضعاف سلطة الكنيسة، ومعنى ذلك إضعاف سلطة المتشددين من المشايخ لدينا، والمرحلة الثانية من التطور تتطلب تغيير أوضاع الكنيسة، وهذا يعني بالنسبة لنا تغيير دور رجال الدين في المجتمع. مشكلتنا نحن العرب تكمن في حقيقة أن الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي لم يبدآ فعلًيا في بلداننا، فالتصنيع يؤدي إلى بروز ظاهرة التخصص وتقسيم العمل والفصل بين العمل والمنزل وغرس مبادئ العقلانية... ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الإنسان لم يعد يعتمد على الحقائق والمعتقدات الدينية عند التعامل مع مشكلات العمل، حيث سادت المعتقدات والاعتبارات العقلانية.
ماذا نريد قوله ببساطة متناهية هو أن فرض مفهوم التسامح في مجتمعاتنا ليس بالأمر السهل (رغم أن الإسلام يدعو للتسامح)، لأن مفهوم التسامح في الغرب قد بدأ ذا طابع ديني في القرن السادس عشر، لكن صاحب التحديث تغيرا ٌت سياسية وثقافية وفكرية وسعت مفاهيم التسامح لتشمل كل المفاهيم الإنسانية، وليس المجال الديني فقط...
لماذا نطالب بتعزيز مفهوم التسامح في بلداننا وبين أطفالنا في المدارس؟ مفهوم التسامح له دور إيجابي في المجتمعات المتعددة الثقافات والأديان والقوميات، فالتسامح يعتبر فضيلة أخلاقية وقيمة للعدالة، ومطلًبا للعقلاء والراشدين.
علينا التأكد هنا من أن عظمة الغرب الديمقراطي العلماني لا تكمن في قوته الاقتصادية أو العسكرية أو تقدمه العلمي والحضاري، بل بالمفاهيم الإنسانية التي تسمح لكل مهاجر في بلدهم بممارسة حريته الدينية والعمل والانخراط في العمل السياسي السلمي، مهما كانت طبيعة أفكاره. لذلك تقدم الغرب وتخلف العرب والمسلمون، لأن قابليتهم للتغيير بطيئة.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة