عملية الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن تبدأ إلا بعد إنهاء النزاع التاريخي، وهنا تكمن أهمية القرار ٢٣٣٤..
عملية الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن تبدأ إلا بعد إنهاء النزاع التاريخي، وهنا تكمن أهمية القرار ٢٣٣٤، لأن نزاعات المنطقة بمجملها هي نتيجة لعدم قيام الدولة الفلسطينية
2 نوفمبر 2016 دخل وعد بلفور عامه المئة ليكتمل بذلك قرن من الفوضى والاستنزاف والنزاعات التي عاشتها منطقتنا بسبب ذلك الوعد، وفي 23 ديسمبر 2016 جاء قرار مجلس الأمن 2334 ليعيد تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وعدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية. جاء هذا القرار في الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس أوباما، وفي الأيام الأخيرة من ولاية بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة.
بعيداً عن السجال الذي دار حول من قدّم مشروع القرار ومن سحبه ومن أعاد طرحه، تلك القصة التي شغلت الإعلام العربي المتفرغ للسجالات، وبعيداً عن الدراسات الدقيقة للتحولات والقرارات والسياسات لإعادة تشكيل نظام دولي جديد يكون بديلاً للأحادية الأميركية وإعادة بعض التوازنات بين خصوم الحرب الباردة السابقة كروسيا وتحويلها إلى حليف في الحرب الباردة القادمة بين الغرب الاقتصادي الاجتماعي وآسيا الاقتصادية الاجتماعية.
إن القرار 2334 لم يكن عملية توريط من الرئيس الأميركي المغادر للرئيس الأميركي القادم، لأنّ موضوع إسرائيل في الإدارة الأميركية هو سياسة إستراتيجية عليا تتجاوز الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وخصوصا أن أميركا منذ القرار 338 لعام 1973 قد استخدمت حق النقض في مجلس الأمن اثنين وأربعين مرة ضد قرارات تدين إسرائيل، وعندما تصوت 14 دولة في مجلس الأمن على القرار مع امتناع أميركا عن التصويت، يكون هذا القرار أكثر من مناورة، وعلينا إعادة التفكير في احتمالاته وتطوراته على إعادة هيكلة المنطقة على قاعدة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشكل ذاكرة ثلاثة أو أربعة أجيال، ولا أعتقد أننا نتذكّر أنّ مجلس الأمن لم يصدر قرارات كثيرة في هذا الصراع. ففي عام 1947 صدر القرار 181 الذي يقول بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وفي عام 1948 صدر القرار 194 الذي يتحدث عن حق العودة للفلسطينيين، ثم القرار 242 لعام 1967 بعد النكسة والقرار 338 عام 1973، ومنذ ذلك الحين لم يصدر أي قرار إلى أن جاء القرار 2334 في 23 ديسمبر 2016. والمعروف هو عدم امتثال إسرائيل للقرارات الدولية منذ أن تأسست بقرار أممي عام 1947 حتى الآن.
إن تصويت خمس عشرة دولة في مجلس الأمن على القرار 2334 في هذه الظروف بالذات قد يكون له دلالات كثيرة، أولها أن العرب الآن ليسوا في أحسن أحوالهم لكي يسترضيهم العالم، بل على العكس فنحن في أسوأ الأحوال، ولدينا ويلات وويلات تفوق فلسطين في سورية والعراق واليمن وليبيا وسيناء، والفلسطينيون أيضا يعانون من الانقسام والترهل وعدم القدرة على التأثير في الداخل والخارج خلافاً لما كانوا عليه من قبل لسنوات طوال. الأمر الآخر هو أنّ إسرائيل تلتزم الصمت والحياد إلى حد بعيد في النزاعات الدائرة إن لم نقل إنها تتفرج على ما يحدث من حولها. وهذا يبدو واضحاً من خلال ردّات الفعل العنيفة على صدور القرار 2334 من توجيه الاتهامات بمعاداة السامية مروراً بقرار استحداث 1000 وحدة استيطانية جديدة، مما قد يدفعها أيضاً إلى الانخراط الميداني في النزاعات الدائرة من أجل تعزيز شروطها في المنطقة.
أحاول لفت النظر إلى أهمية هذا القرار بعيداً عن الانفعال أو التوظيف السلبي أو الإيجابي، وضرورة التعامل مع هذا التطور الاستثنائي في إجماعه وتوقيته بشيء من الجدية والاهتمام والتعمق، لأنّ الاستقرار المنشود في المنطقة لا يكون بالقضاء على الإرهاب فقط، بل في معالجة أسباب عدم الاستقرار الطويل في المنطقة والذي تسبب فيه النزاع العربي الإسرائيلي، وأنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار ما لم تقم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
قد يكون القرار 2334 هو خارطة الطريق لعام 2017، وهو قد تجاوز الإدارة الأميركية القادمة وغير القادرة سوى على لملمة شتات سياساتها الانكفائية، وذلك بتحسين التسويات وليس الانقلاب عليها، لأنّ فيها مصلحة أميركا العليا والتي وضعها الحزبان معا عام 2007 من خلال تقرير بيكر هاملتون، والذي رسم خارطة الطريق لرؤساء أميركا من الحزبين، وهذا ما سلّم به بوش الابن فيما تبقى من ولايته الثانية، وهو ما سار عليه أوباما خلال ولايتيه الأولى والثانية.
إن عملية الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن تبدأ إلا بعد إنهاء النزاع التاريخي، وهنا تكمن أهمية القرار 2334، لأن نزاعات المنطقة بمجملها هي نتيجة لعدم قيام الدولة الفلسطينية وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي على أساس القرارات الشرعية الدولية 242 و338 والمبادرة العربية للسلام والقرار 2334، مما قد يجعل عام 2017 عام الدولة الفلسطينية.
نقلاً عه صحيفة الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة