العالم -بصدق- ليس بخير، هو متشح بالجرائم والألعاب الهابطة، ليس بخير قطعاً وان كنا نضحك ونرقص ونعيش حميمية الليلة الأولى..
العام الميلادي الجديد يطل اليوم، فيما أن العالم الجديد المحاط بالسلام والتعايش والأمن الحقيقي لم يأت حتى الآن، عامنا الفائت من أكثر الأعوام التي توشحت بالسلاح والسواد والدم والاستفزاز، صحيح أنه لم يكن عاماً استثنائياً إلا في توسع الجراح أكثر من ذي قبل، وإلا فالأعوام التي سبقته يئن كلٌ منها بحزن مختلف وضجيج مخيب. تخيلوا أن عامنا الذي ودعناه البارحة مشبع بهذا الكم من الأخبار والعناوين، ولي أن أسردها لنعلم أي وحشية تحيط بنا وأي دمار تشكل في أرواحنا وكم من خوف يجيء إلينا ونحن الذين نحب أن نعيش كما نكذب على أنفسنا بالضبط عشية إطلاق مراسم الليلة الأولى من سنة الميلاد.
خيباتنا المتلاحقة تجعلنا ننتهز أي فرصة للبهجة ولو كانت ضئيلة أو مخادعة لنفرغ فيها الكبت ونطفئ الحرائق التي تشتعل داخلنا على رغم ملفات شجبنا، ورصيد استنكارنا ونيران الغضب المشتعلة بحماسة والمنطفئة بخذلان سريع عصيّ على الفهم والاستيعاب. خذوا من حكايات عالمنا اليومية «سلسلة هجمات إرهابية، تشديدات أمنية غير مسبوقة، مئات الضحايا بغارة جوية، إعادة إنتاج لحرب أهلية، آلاف اللاجئين محاصرون في العراء، خرق الهدنة الهشة لإيقاف مسلسل الدمار، جرائم إبادة وتهجير جماعية، تحولات داخلية فظيعة ومعادلات خارجية غاية في البشاعة ولا علاقة لها بالإنسانية ولا العيش السوي، خلايا متجددة لتنظيم داعش، حشد شعبي مختل وطائفي، إرهاب ينمو بصمت وينسف بعنف، محاولات خادعة لوقف إطلاق النار»، ولكم أن تكملوا وتختاروا ما تشاؤون من العناوين الكئيبة التي لن تعدموها ولو عبر مطالعة نصف ساعة للتلفاز المغلوب على أمره أو تصفح بضع أوراق من صحيفة يومية.
العالم -بصدق- ليس بخير، هو متشح بالجرائم والألعاب الهابطة، ليس بخير قطعاً وان كنا نضحك ونرقص ونعيش حميمية الليلة الأولى لعام ميلادي جديد، خوفنا الوحيد أن يكون امتداداً دموياً ناسفاً ونازفاً للعام الذي طويناه. أميركا لا تزال رجل شرطة العالم، لكنها بوجهين وعيون ترى ما تحب ولا ترى ما نكره، روسيا تتلذذ بالإيذاء والحديث عن أن لها عضلات لا يمسها أحد، شرق أوسط مرتبك ومتناقض، شرق منغمس حد الخجل في غواياته وتنديداته، وغرب خائف، لكنه يرسم لأن يكون أمانه على حساب تمزق وتفتت الذين يلعنونه في الصباح ويلعبون معه في المساء. سنجرب التفاؤل للمرة المئة على رغم أن الطائفية فتكت بنا والكراهية أعمتنا والعنصرية لعبت بالمتبقي، سنحاول للمرة الألف أن نصدق أن العالم يفتش عن السلام، ويسعى لأن يصنعه، ربما يكون 2017 عاماً لإعداد خلطة استقرار على رغم أنف المحيط المضطرب... ربما وما أدراك ما ربما!
نقلاً عن صحيفة الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة