يفترض أن كل ما كان في العام 2016 يكون مدعاة للدرس والاعتبار والبحث عن حلول تجتمع عليها الإنسانية كلها.
يستقبل العالم اليوم سنة ميلادية جديدة وألسنة المليارات من البشر تلهج بالأمنيات عسى أن يكون المقبل أفضل مما سبق، في ضوء ما شهدته البشرية العام المنقضي من مآسٍ كبيرة وتحولات جذرية أعطت مؤشرات سيئة إلى المستقبل، ومع ذلك ما زال هناك محل للتفاؤل والأمل بأن تنقلب المخاوف طمأنينة والرهبة هدوءاً لتنعم شعوب الأرض قاطبة بالأمن والسلام والتحابّ والتعايش ضمن القيم الإنسانية السامية.
من دون الأمنيات لا طعم للاحتفال بعام وتوديع آخر، ولو لم تكن هناك مشاعر بأن تحمل الأيام المقبلة بشائر، لما تبادلت الشعوب التهاني ولما أبرق زعماء العالم وشخصياته بالتبريكات بين بعضهم البعض. فهذه السُنّة التي دأبت عليها البشرية منذ مئات السنين، تؤكد أن الحياة تستمر مهما تخللها من كوارث وفواجع. أما هذا عام 2017، فربما يكون الوضع مختلفاً والأمنيات المرفوعة إلى السماء أكثر حرقة مما تم تداوله في السابق بسبب الخشية من فشل المجتمع الدولي عاماً آخر في إخماد الأزمات والحروب المستمرة ومن اجترار عجزه المألوف عن منع اندلاع صراعات جديدة. وتقول آخر أيام 2016 إن بوادر الحلول التي وضعت لمواجهة التحديات الكبيرة، ما زال خطها المستقبلي غير واضح، وما زالت محكومة بالشكوك في نجاحها وتحقيق أهدافها بسبب عدم معرفة توجهات أغلب اللاعبين في الساحة الدولية وأولهم الإدارة الأمريكية الجديدة والدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا التي ستشهد كلها انتخابات حاسمة في 2017 ستحمل على الأرجح نخباً جديدة لها توجهات مختلفة عن النخب التي واكبت السنوات الماضية وكانت مسؤولة، بحكم موقعها، عن الكثير من الأحداث والأزمات، إما لقصور في سياستها أو لتواطؤ منها أو لعجزها عن الإلمام بالتحولات الأوروبية التي أفرزت الخروج البريطاني من الاتحاد.
عام 2016 كانت أجندته حافلة بالأحداث الجسام على مستوى استفحال الواقع الدموي للحروب، مع الأسف الشديد، في دول عربية مثلما هو الحال في سوريا واليمن والعراق وليبيا، أو على مستوى انتشار الإرهاب، فقد فجعت عواصم وشعوب كثيرة باعتداءات جبانة، ونالت دول مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا وتركيا والولايات المتحدة نصيبها من الأذى. ولم يستثن هذا الخطر الملعون دولاً عربية وإسلامية إذ حاول استهداف المسجد النبوي الشريف في السعودية، وضرب مصر في مناسبات عدة وآخرها الاعتداء على الكنيسة القبطية في القاهرة، واستباح دماء الشعب اليمني في عدن وأبين وحضرموت، كما مر عبر سوريا والعراق ووصل إلى الصومال وليبيا وتونس، حتى كاد يكون عام 2016 عام الفواجع الإرهابية بامتياز بالنظر إلى العدد المهول من الضحايا ممن سقطوا في تلك الاعتداءات المختلفة، وبالنظر أيضاً إلى المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ضربت قواعد العلاقات الدولية وأفرزت خطابات يتطاير منها شرر الكراهية والعنصرية خصوصاً في الغرب.
يفترض أن كل ما كان في العام 2016 يكون مدعاة للدرس والاعتبار والبحث عن حلول تجتمع عليها الإنسانية كلها، فتبدأ مع بداية العام الجديد في استنباط سياسات جديدة تساهم في فض النزاعات المستشرية وفي مقدمتها إنصاف الشعب الفلسطيني من الكيان الصهيوني، والعمل على اجتثاث المظاهر الخبيثة وفي صدارتها الإرهاب والخطاب العنصري والتصدي لاتساع نطاق الفقر والجريمة. وهذه الأمنيات لا تتحقق إلا إذا تمت مباشرتها بما يقتضيه حلها من جدية وصدق ونزاهة، أما ما عدا ذلك فلن يكون هناك اختلاف أو جديد بين عام أقبل وآخر يدبر.
نقلاً عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة