زيارة البابا تعد تاريخية على كافة الصعد، فهي تعكس عمق وأهمية تأطير العلاقات الإسلامية-المسيحية والتي عانت على مر التاريخ
حظيت زيارة قداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى أرض التسامح، دولة الإمارات العربية المتحدة، باهتمام عربي وعالمي، فهي المرة الأولى التي يزور فيها بابا الكنيسة الكاثولكية أرض الجزيرة العربية، مهد الإسلام وموطن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
زيارة البابا تعد تاريخية على كافة الصعد، فهي تاريخية لأنها تعكس عمق وأهمية تأطير العلاقات الإسلامية-المسيحية، والتي عانت على مر التاريخ من انتكاسات وشكوك مريرة، كما عانت في الفترة الأخيرة من جراء الإرهاب والعديد من المشاكل الأخرى.
أعين العالم كلها مسلطة على الإمارات في هذه الأيام تراقب الحفاوة والاستقبال الذي سوف يحظى به رأس الكنيسة الكاثوليكية في الإمارات، كما أن أعين العالم تراقب القيم الإماراتية والإرث الحضاري الذي تحفل به الإمارات، والتي تضم مئات الجنسيات وعشرات الثقافات والأديان
الزيارة تاريخية لأنها عبرت مساحات الزمن والتاريخ المتأزم بين الطرفين، لتأتي في وقت نحن البشر أحوج فيه إلى التآخي الإنساني والروابط والقواسم المشتركة بين الأديان، الزيارة تاريخية لأنها أول زيارة للحبر الأعظم للمسيحيين لأرض الديانة الإسلامية التي عبرت الجزيرة العربية لتنشر ضياءها ونورها إلى جميع أصقاع العالم.
زيارة البابا لدولة الإمارات تكتسب أهميتها في أنها تأتي في عام التسامح 2019 لتلقي الضوء على إرث الإمارات الحضاري والاجتماعي، والمتمثل في تلك القيم التي يحملها أهل الإمارات، والتي جسدها الآباء المؤسسون وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان نهيان، طيب الله ثراه.
تأخذنا زيارة البابا إلى عصور مضت وتاريخ حافل بالأحداث بين العالمين الإسلامي والمسيحي، إلى فترة كان كل طرف يشكك في نوايا الطرف الآخر ويخونه، كانت الظروف السياسية والاجتماعية متأزمة، ومن ثم عانت الأقليات المسلمة في الدول ذات الغالبية المسيحية من الاضطهاد والتهميش، كما لقي المسيحيون في بعض الدول ذات الأغلبية الإسلامية المصير ذاته.
هذا الإرث أصبح من الماضي، فقد تبلورت في معظم دول العالم المتحضر احترام حقوق الإنسان، ومنها حقه في الدين والمعتقد، وأصبح لكل إنسان الحرية في العيش والاحترام من قبل الآخر وعدم ممارسة الكراهية والعنصرية ضده.
وهذا لا يتأتى إلا من له إرث تاريخي من التسامح والتعايش مع الآخر، هذه القيم توفرت في مجتمع الإمارات قديماً واستمرت حديثاً، وهكذا أصبحت الإمارات الملاذ الآمن لملايين من البشر تقاطرت إلى الدولة من كل بقاع العالم، ولولا توافر هذه القيم لما جذبت الإمارات كل تلك الملايين من كافة الأعراق والأطياف.
زيارة البابا هذه يجب أن تفتح الأبواب لتفاهم إسلامي-مسيحي أعمق وحقيقي، وتصبح الإمارات حلقة وصل في التفاهم بين الأديان، إن أبوظبي وهي تحتضن هذه الأيام القداس الأكبر الذي يحييه البابا في استاد محمد بن زايد، والتسهيلات التي وفرت لجعل هذا القداس ناجحاً لآلاف من المسيحيين الراغبين في حضوره لدليل على أن الإمارات هي أرض التسامح والمحبة وأرض الخير، وحلقة الوصل لجميع الأديان البشرية.
إن أعين العالم كلها مسلطة على الإمارات في هذه الأيام تراقب الحفاوة والاستقبال الذي سوف يحظى به رأس الكنيسة الكاثوليكية في الإمارات، كما أن أعين العالم تراقب القيم الإماراتية والإرث الحضاري الذي تحفل به الإمارات، والتي تضم مئات الجنسيات وعشرات الثقافات والأديان.
لقد استطاعت الإمارات عبر تاريخها الحديث أن تكون موئلاً للعديد من الأديان؛ حيث وفرت لأصحاب كل دين سماوي أو وضعي حقه في ممارسة شعائره الدينية بكل حرية واحترام، ليس فقط من منطلق حقوق الإنسان بل من منطلق الإرث الحضاري الذي تمتعت به الإمارات عبر تاريخها، فقد شهدت هذه الأرض تعايش الأديان السماوية والوضعية، جنباً إلى جنب عبر عصور التاريخ دون أي ضغينة أو حقد.
كما شجعت القيادة السياسية عبر اللوائح والقوانين هذا التعايش، وجعلت الكراهية والعنصرية من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وهكذا ترعرع في أرض الإمارات تعايش بشري قلّ نظيره على مستوى دول العالم؛ حيث كفلت قوانين الإمارات لغير المسلمين حرياتهم وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بكل سهولة ويسر.
إن دولة الإمارات وهي تحتفي اليوم برأس الكنيسة الكاثوليكية إنما تحتفي برمز من رموز التعايش السلمي في العالم، رمز جمع حوله ملايين من البشر سوف تتطلع أعينهم إلى الإمارات، التي تشدو بسيمفونية التعايش السلمي والسلام.
فتبدو الإمارات ليست فقط وطن التسامح بل وطن التعايش والمحبة، إن أعين العالم اليوم مشدودة إلى أبوظبي التي هي وفيّة لقيم المؤسس زايد وإرث الإمارات الحضاري والقيمي، فتلك الزيارة هي دليل على أن القيم الإنسانية واحدة لا تتجزأ، وأن المشاعر الإنسانية لا يمكن تقسيمها.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة