معروف أن نظام الحمدين، بعد انقلاب الولد على الوالد، أنشأ عدة ركائز لتضخيم دولة قطر وإعطائها دوراً أكبر من حجمها
مقولة إن نظام الحمدين أُصِيب في مقتل، ليست بحاجة إلى تأكيد، بعد خروج أفراد من العائلة الحاكمة، أسرة آل ثاني، في موقف غير مستغرب من العائلة الكريمة عن صمتهم، منتقدين سياسة النظام؛ ومستنكرين دعمه للإرهاب وعزل بلدهم عن محيطه الخليجي والعربي، والارتماء في أحضان إيران، وتنفيذ المخططات الجهنمية لتنظيم الإخوان.
كنا مُدركين لحتمية وقوع هذه الانشقاقات في الأسرة الحاكمة، لأن الأمة لا تجتمع على ضلال؛ ولكن نظام الحمدين، المُخدر بتأثير حلفائه الإخوان والإيرانيين، بل والإسرائيليين أيضاً، تفاجأ حد الصدمة، فأضحى إعلامُه وسياسيوه يسوّقون ويسوَغون سيناريوهات غير مطروحة إطلاقاً لما يقولون إنها نية مبيتة للدوحة من قبل الدول المقاطعة؛ في محاولة مكشوفة لتعزيز الجبهة الداخلية، بخلق خطر خارجي داهمٍ لا وجود له.
الشعب القطري مجبر على مسايرة طموحات الحمدين حتى تأتيه ساعة الفرج، فهل يعي نظام الحمدين الدروس ويستخلص العبر؟ أم يواصل بإيعاز حلفائه، في استخفاف الشعب القطري الأصيل؛ حتى يرد موارد الندم ولات ساعة مندم؟
بدأت برامج الإعلام القطري تناقشُ موضوع التدخل العسكري، رغم أن أحداً من الدول المقاطعة لم يتحدث عنه، بل على العكس، نفى بعضهم أن يكون مطروحاً أصلاً؛ وتغفلُ نفسُ البرامج عن عمدٍ كون النظام القطري أول من فكر بالتصعيد العسكري، حيث استدعى الجنود الأتراك لحمايته، وعقد عدة صفقات سلاح جديدة منذ بداية الأزمة كلفت مليارات الدولارات.
أما ممثل قطر في الجامعة العربية فذهب بعيداً، ليقول إن المسألة أصبحت تغيير النظام؛ ما جعلني أتساءل: هل كان عقله الباطن يستحضر سيمفونية "الشعب يريد إسقاط النظام" ؛ وأن الأيام دول من سرّه زمن ساءته أزمان؟.
هذرُ وهلعُ ساسة وإعلام قطر يدفع للتفكير بالداخل القطري، وعلاقة نظام الحمدين بشعبه داخلياً؛ وكيف ينظر الشعب القطري لسياسات هذا النظام .
معروف أن نظام الحمدين، بعد انقلاب الولد على الوالد، أنشأ عدة ركائز لتضخيم دولة قطر وإعطائها دوراً أكبر من حجمها، ومن تلك الأدوات فتح إمبراطورية إعلامية هي قناة الجزيرة؛ وبرغم أن القناة استطاعت أن توهمَ قطاعاً عريضاً من الشارع العربي بكونها لسان الثورة والتقدمية وحماية ثوابت الأمة، فإنها داخلياً أخفقت أيما إخفاق في إقناع المواطن القطري بخطها.
أذكر هنا حادثة أبلغني بها زميل يُعد من أبرز وجوه شاشة الجزيرة ـ اعتذر عن ذكر اسمه لأني لم استشره في نشر الحادثة ـ جلس في إحدى رحلاته من لندن إلى الدوحة إلى جوار أحد الركاب القطريين؛ وبعد تبادل أطراف الحديث، بادره القطريُ بالسؤال: أين أعرفك؟ يقول زميلي الظريف:اعتدلتُ في جلستي منتشيا وقلت له: أكيد أنا في الجزيرة؛فرد: سامحكم الله.
كان الجواب عادياً بالنسبة للزميل، لأن الجزيرة محل جدل، وهناك الكثير من القطريين المناهضين لها ويعتبرونها مثيرة للمشاكل؛ لكن القطري لم يفسح له المجال للتفكير وقال له: سامحكم الله اشترينا منكم سيارات قبل فترة، وظهر أنها غير مطابقة للمواصفات التي اتفقنا عليها.
استغرب الزميل الموضوع وعندما استشعر جليسه القطري استغرابه للموضوع تدارك الأمر وسأله: ألم تقل لي إنك تعمل في الجزيرة يعني معرض الجزيرة للسيارات ؟ نبه الزميل المواطن القطري أنه يعمل في قناة الجزيرة بعد أن عاد لجلسته الطبيعية، فكان جواب جليسه: سامحني اعتقدتُ أنك تعمل في معرض الجزيرة للسيارات .
في العادة عندما يذكر اسم الجزيرة يذهب الذهن مباشرة لقناة الجزيرة، وخصوصاً اذا كان أمامك أحدُ أبرز وجوه شاشة قناة الجزيرة، لكن أن يكون الشخص قطرياً ويذكر اسم الجزيرة وتقوده الذاكرة لمعرض سيارات، فذلك دليل على أنه ليس من المهتمين بطموحات نظام الحمدين نهائياً .. هذه حالة واحدة وغيرها الكثير .
وفي إطار تضخيم الدور القطري دفع نظام الحمدين مليارات الدولارات للفوز بتنظيم كأس العالم في قطر، بعد إعلان الفوز فرح حينها جميع العرب، لكن مواطنين قطريين لم يفرحوا كما فرح العرب.
أذكر أني دخلت صبيحة اليوم الذي فازت فيه قطر بتنظيم كأس العالم على مكتب الشؤون الإدارية في قناة الجزيرة؛ وبعد السلام على الموظف، بادرته مباركاً بالفوز باستضافة كأس العالم حيث فرحنا جميعا لأول دولة عربية تفوز بتنظيم هذه التظاهرة العالمية؛ لكني تفاجأت بالجواب "لا بارك الله.. ماذا نفعل بكأس العالم؟".
كان أغلب القطريين في ذلك اليوم مكفهري الوجوه، غير فرحين بالمفاجأة، متخوفين من الانفتاح الذي يرافق هذه التظاهرة، والذي ترفضه عاداتُهم وتقاليدُهم.. كان واضحاً أن طموحات نظام الحمدين لا تعني لهم شيئاً.
ولا شك أن المواطن القطري المعروف بطيبته وتواضعه لا يقبل دعم الإرهاب، ولا يقبل أن تتحمل بلاده وزر آلاف الأشخاص الذين سفُكِت دماؤهم في دول ما سمي بالربيع العربي، الذي حملت قطر لواء دعمه؛ تماما كما أن المواطن القطري البسيط لا يقبل أن تتحمل بلاده وزر تشريد ملايين المواطنين العرب في مخيمات اللجوء، وليس لديهم ما يقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء.
يمكننا أن نجزم أيضاً أن المواطن القطري لن يقبل زعزعة الاستقرار في بلاد الحرمين الشريفين، وقلب نظام الحكم في مملكة البحرين، والعداء للإمارات، ولا الخصام مع الأشقاء في دول الخليج عموما.
كما لا يقبل الشعب القطري هدر أمواله في دعم جماعة تنظيم الإخوان والجماعات الإرهابية الأخرى، كل ذلك وغيره من صنيعة نظام الحمدين مرفوض من المواطن القطري؛ لكن الشعب القطري مجبر على مسايرة طموحات الحمدين حتى تأتيه ساعة الفرج .
فهل يعي نظام الحمدين الدروس ويستخلص العبر؟ أم يواصل بإيعاز حلفائه، في استخفاف الشعب القطري الأصيل؛ حتى يرد موارد الندم ولات ساعة مندم؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة