"داعش الداخل".. فاتورة صعود إخوان تونس للحكم
عودة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية في تونس ترافقت بظهور فكر متطرف يبدو بديهيا بالنسبة لأيديولوجيا الجماعة.
لا يختلف اثنان على أن التقرير الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، وأشارت فيه إلى أن الخطر الإرهابي بتونس لم يعد يكمن في عودة المقاتلين من بؤر التوتر، وإنما في وجود إرهاب يتمدد في الداخل، مفزع ويثير التساؤلات حول علاقة الشبكات الإرهابية في البلاد، وعلى رأسها جماعة "الإخوان" بعدة ملفات أبرزها تجنيد الشباب وتهديد أمن المنطقة.
بؤر عنيفة تشكلت وأخرى بصدد التشكل في تونس، لتتمدد خلاياها في مختلف البلاد، عبر «جيل جديد من الشباب، يقوم تنظيما داعش والقاعدة الإرهابيان بتجنيدهم»، وفق الصحيفة.
- إخوان تونس.. أذرع تبعثر التوازنات تمهيدا للرئاسيات
- رئيس الحكومة التونسية يقبل استقالة وزير حقوق الإنسان
ووصف مراقبون التقرير بأنه كارثي، بل يعيد إلى السطح جدلا واسعا سبق وأن طفا إلى الواجهة عقب احتجاجات 2011، وصعود الإخوان إلى الحكم، وما رافق ذلك من تدفق غير مسبوق لمقاتلين تونسيين نحو بؤر التوتر، وخصوصا إلى كل من ليبيا وسوريا.
ففي ذلك الحين، تواترت تقارير إعلامية عديدة تتحدث عن خلايا إخوانية في تونس لتسفير الشباب للالتحاق بتنظيم "داعش" في سوريا والعراق وليبيا، عبر تركيا وغيرها.
غير أن الكارثي بحق هو أن "داعش" لم يعد في الخارج فقط، أي أن الشباب كان يتسلل خلسة للالتحاق بصفوفه في بلدان أخرى، لكنه غدا "صناعة محلية" بحتة تنذر بأيام عصيبة لبلد بالكاد التقط أنفاسه من تداعيات الهجمات الإرهابية.
إخوان تونس.. ثقافة دخيلة بثت أفكارا هجينة
تقرير «واشنطن بوست» أشار إلى أن العملية الإرهابية التي استهدفت، في يوليو/ تموز الماضي، دورية تابعة لفرقة الحدود البرية للحرس التونسي بمنطقة "عين سلطان" بمحافظة جندوبة (غرب)، جاءت من الداخل، باعتبار أن معظم المقاتلين في بؤر التوتر "لم يعودوا بعد إلى بلادهم".
وفيما يشبه التحذير من سيناريوهات مفزعة، ركز التقرير على الكمّ المتراكم من الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد عقب 2011، معتبرا أنها السبب الجوهري في تشكل هذه البؤر العنيفة بالمجتمع التونسي.
ولئن اكتفى التقرير بهذه التوليفة من الأسباب، متجنبا أو مفضلا الخوض في مسائل أخرى قد لا يدركها ميدانيا، أو قد يكون على دراية بها، لكنه تجنب ذكرها لسبب أو لآخر، فإن المطلعين للشأن التونسي عن كثب، يعرفون الكثير من العوامل المدمرة التي وضعت البلاد على صفيح ملتهب يتقاطع عنده الإرهاب الإقليمي بالمحلي.
فما يبدو مثيرا للقلق بشكل أعمق بالنسبة للراهن التونسي هو كيف ولدت هذه الدوائر المتطرفة، والأهم كيف ترعرعت ونمت، بل وحصلت على حاضنة شعبية بدرجة ما، في بلد يعتبر من أكثر الدول العربية انفتاحا؟
محللون ومواطنون تونسيون يدركون الإجابة جيدا. فما حدث هو أن عودة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية في تونس إبان سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، ترافقت بظهور فكر متطرف يبدو بديهيا بالنسبة لأيديولوجيا الجماعة، لكنه غريبا عن المجتمع التونسي.
وبالتزامن مع ذلك، تدفقت الأموال المشبوهة إلى البلاد، تحت ستار إخواني كان يرمي بالدرجة الأولى لغسيل أموال قياداتهم، ثم تمويل مشاريع وجمعيات جرى تأسيسها من أجل أغراض معينة.
المرحلة الأولى بالنسبة لإخوان تونس كانت التغلغل في مفاصل الدولة، وهذا ما حدث عبر تعيين علي لعريض وزيرا للداخلية، قبل أن يجمع الإخوان بعض الموالين لهم في مختلف أجهزة الوزارة، مدعومين بأسماء من خارج المؤسسة تم تعيينهم في ديوان الوزير بالصفة المبهمة «مكلف بمهمة»، وفق تقرير استقصائي نشره موقع «نواة» المحلي في 2013.
ووفقا للموقع نفسه نقلا عن مصادر متطابقة، كانت هذه العناصر تنسق بينها وترفع التقارير رأسا إلى حركة "النهضة" الإخونجية، مشكّلة بذلك هيكلا أمنيا غير رسمي، أطلق عليه كوادر الوزارة في حينه العديد من الأسماء من قبيل "المنظومة النهضوية" و "خلية مونبليزير (نسبة لاسم المنطقة التي يقع بها مقر النهضة)" و"المنظومة الإيرانية".
وأشرف الجهاز الموازي على جميع العمليات "القذرة" لإخوان تونس، فهو من منح التراخيص لجمعيات مشبوهة تنشط تحت اسم "مدارس قرآنية"، في وقت كانت فيه الأخيرة تغسل أدمغة الناشئة وتلقنها الفكر المتطرف.
كما أمن ذات الجهاز تسفير الشباب للقتال في بؤر التوتر، وهو أيضا من رعى جينات الإرهاب في الداخل، لتكون التوليفة التي تهدد تونس اليوم ليست سوى نتاج لما جناه عليها الإخوان منذ وضعوا أيديهم عليها.
استقطاب تكفيري و"أرض تجنيد"
التجاذبات السياسية والتي تحولت في جزء كبير منها إلى أزمة فعلية في تونس، أنتجت محاصصات وتكالبا على التموقعات، ما وفر أرضية ملائمة لظهور "طفرة" في النشاط الإرهابي المحلي.
وما يدعم هذا الطرح هو انتشار جمعيات مشبوهة بالبلاد ممن بات يمارس فيها أشنع أنواع الاستقطاب التكفيري، ويرتع تحت غطائها رجال دين متطرفون يتبنون خطابات راديكالية طافحة بشعارات التكفير والتجنيد الذهني.
وهو ذات ما أكد عليه كبير المحللين التونسيين في مجموعة الأزمات الدولية، مايكل بشير العياري، مشيراً في حديثه لـ"واشنطن بوست" إلى أن تونس هي "أرض التجنيد" بالنسبة للجماعات الإرهابية.
بينما اعتبر محللون آخرون أن "تونس لا تزال هدفا للإرهابيين بسبب وجهات النظر الحكومية الليبرالية نسبيا حول الإسلام والمرأة وحرية التعبير".
وتطرقت الصحيفة، في تقريرها، إلـى الهجوم الإرهابي الذي استهدف، في 2015، فندقا بمحافظة سوسة شرقي تونس، وأسفر عن مقتل 39 شخصا، بينهم سياح أجانب.
ووفق التقرير، فإن نحو 200 مسلح ينتمون لتنظيمي "داعش" أو "القاعدة الإرهابيين يتمركزون في الجبال.
وأشار إلى أن العملية الإرهابية في منطقة عين سلطان بجندوبة "توضح طموحات الإرهابيين".
ونقل عن عدد من سكان المنطقة قولهم إنهم "يشتبهون في أن بعض أنصار الإرهابيين هناك قاموا بنقلهم إلى مكان تنفيذ العملية".
تصريحات تؤكد أن النواة الذهنية للإرهاب الفكري في تونس تجاوزت حدود التأسيس والتدريب، ودخلت حيز التنفيذ والتنسيق اللوجستي، ما يفاقم من مخاطر التهديد الإرهابي الداخلي.
جرس إنذار قوي قرعته الصحيفة، وإن أتى بطريقة غير مباشرة، في وقت مازال تنظيم الإخوان الإرهابي المتنفذ في القرار السياسي التونسي يسهر على ضمان وجود فرع "اتحاد العلماء المسلمين" المصنّف إرهابيا في أغلب الدول العربية الأخرى، والذي ينشط في ظل غياب أي مراقبة لأنشطته أو للسموم التي يشوه بها أفكار الناشئة والشباب.
معطيات تشي بأن مخاطر تشكل أنوية الإرهاب داخل تونس، لا تكمن في تلك الأسباب التقليدية، ولا تتمركز فقط في الجيوب المتعارف عليها في تونس من ذلك المرتفعات الغربية للبلاد، وإنما تنتعش وتتفاقم في ظل فيروس مستفحل بالبلاد، اسمه الإخوان.