إخوان تونس.. أذرع تبعثر التوازنات تمهيدا للرئاسيات
ملامح صراع يخشى مراقبون تطوّره بين رئاستي الجمهورية والحكومة في تونس، عقب تعيينات متزامنة اعتبرها كثيرون بمثابة "تعزيزات" لفصول مواجهات
ملامح صراع يخشى مراقبون تطوّره بين رئاستي الجمهورية والحكومة في تونس، عقب تعيينات متزامنة اعتبرها كثيرون بمثابة "تعزيزات" لفصول مواجهات قادمة.
صراع يستثمره إخوان البلاد -كعادتهم- للانقضاض على مفاصل السلطة، واستغلال جميع الثغرات المحتملة، من أجل تأجيج الصراعات؛ تمهيدا لوأد التعدّدية واستئثارهم بالسلطة.
ففي خطوتين غير متوقّعتين، عيّن رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، الإثنين الماضي، كمال الحاج ساسي، أحد رموز النظام السابق، مستشارا له، قبل أن يعلن الرئيس الباجي قائد السبسي، تعيين الحبيب الصيد، رئيس الحكومة السابق، وزيرا مستشارا أولا له.
تعيينات منحت انطباعا شبه راسخ بأن المشهد السياسي التونسي يتّجه نحو قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية فيه، في تطوّر مرشّح لتصعيد محتمل بشكل كبير، والأسوأ أنه يمنح الإخوان مجال المناورة عن بُعد، وتحضير أرضية تفعيل مشروعهم الظلامي بالبلاد.
من الانسجام إلى الخلاف
باستثناء تصريحات السبسي السابقة، والتي دعا فيها الشاهد إلى "المغادرة"، ووصف فيها حكومة الأخير بـ"البدعة"، لم تعرف تصريحات نارية مباشرة بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة.
ومع ذلك، فإن جل المؤشرات والحيثيات تؤكّد أن الانسجام الذي كان سائدا بين الرجلين في الفترة الأولى من تولي الشاهد رئاسة الوزراء، ولّى إلى الأبد، تاركا مكانه إلى برود وفتور سرعان ما تحولا بدورهما إلى خلاف.
تحوّل سريع في العلاقة بين الرجلين، لا يمكن لمن يودّ تتبّع أثرها، الحصول على ما يشبع نهمه بشكل محسوس، لأن الشاهد لطالما اعتبرته بعض المقاربات السياسية "الابن السياسي" للسبسي، وهو الذي اقترحه لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت على أنقاض حكومة الصيد.
لكن يبدو أن للحسابات السياسية منطقا مغايرا تماما، حيث تخلى السبسي عن "انسجامه" مع الشاهد، ليعلن بشكل جلي رفع دعمه عنه، من خلال دعوته إلى الاستقالة أو التوجّه إلى البرلمان، ما أكّد أن الصراع بين الرجلين خرج عن حدود الحرب الباردة إلى أخرى مع تأجيل الإعلان العلني عنها.
ووفق مصادر خاصة لـ«العين الإخبارية»، فإن توسع الهوة بين الشاهد والسبسي يعود بشكل أساسي إلى تدخل غير معلن لقيادات إخوانية، قدمت لرئيس الحكومة «ضمانات البقاء»، إمعانا منها في تأجيج الصراع بحزب «نداء تونس»، لتفتيته من جهة، باعتباره خصمها الأيديولوجي الأول من جهة، ولتوجيه نوايا التصويت نحو الحركة الإخوانية التي تدعي أنها البديل الأوحد أمام التونسيين.
«أجندة خفية» ينفذها الإخوان من خلال مقايضة دعمهم للشاهد مقابل إعلان الأخير عدم الترشح للانتخابات الرئاسية في 2019.. ففي يوليو/تموز 2017، طلب رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، من الشاهد الالتزام بعدم الترشح للانتخابات القادمة، قبل أن يصدر المكتب السياسي للحركة، بيانا سياسيا عاما طالب فيه الشاهد بعدم الترشح.
مقايضة تعكس الهدف الحقيقي للإخوان، وهو الهيمنة على أحد رؤوس السلطة التنفيذية من خلال دعم الشاهد، وضمان فسح الطريق أمام مُرشّحها في سباق الرئاسيات، وهو الغنوشي.
فالحركة استغلّت ضعف السند السياسي للشاهد، لتملي عليه شروطا غير قانونية ومخالفة للدستور، في «بدعة سياسية» كما أسماها مراقبون، تكشف عن كم الخبث السياسي، والأجندة الحقيقية التي ترمي من ورائها حركة الإخوان الهيمنة على الرئاسات الثلاث، قبل الكشف عن وجهها الحقيقي.
تعيينات برتبة "تعزيزات"
التعيينات الأخيرة المتزامنة بين قصري قرطاج (الرئاسة)، والحكومة، أثارت زوبعة في المشهد السياسي المحلي، سواء بسبب توقيتها أو الشخصيات التي شملها التعيين.
فالحبيب الصيد الذي غادر في يوم من الأيام منصبه رئيسا للوزراء بشكل قسري، وفق تقارير إعلامية، قالت إن الأخير تعرّض لضغوط من أجل الاستقالة، يعود اليوم إلى السلطة التنفيذية من باب قصر قرطاج.
واللافت أنه يعود مستشارا للسبسي الذي قيّم أداء حكومته سلبيا، ودعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية على أنقاض حكومة الصيد، وهذا ما خلّف أكثر من استفهام حول نوايا الرئيس من تعيين مماثل، بل ترك المجال واسعا أمام تأويلات مختلفة اجتمعت في مجملها على أن التعيين ليس سوى أحد أوجه "التعزيزات" التي ينوي الرئيس التسلّح بها تحسّبا لمواجهات مقبلة.
نقطة أخرى أثارت التوقف في هذا الصدد، وهو أن الصيد قدّم للشعب التونسي على أنه تكنوقراط، ما يجعل تعيينه وزيرا مستشارا مكلفا بالشؤون السياسية، أمرا مستغربا.
وفي الجهة المقابلة، تفجّر الجدل حول تعيين الشاهد كمال الحاج ساسي مستشارا له، خصوصا أن الأخير يعد من رموز العهد السابق، وقد تقلد مناصب سامية بالدولة حينها، وأشرف على صندوق للتضامن أطلقه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تحت اسم "صندوق 26- 26".
فالحاج ساسي المتمتع بقانون المصالحة الإدارية التي بادر بها السبسي، يقبع، وفق الحسابات المنطقية السائدة عقب احتجاجات 2011، ضمن القائمة السوداء التي لا يستحسن بأي مسؤول الاقتراب منها في تعييناته.
لكن ما حدث هو أن "الشاهد" كسر هذا "التابو" بشكل سافر، وفي توقيت حساس للغاية، ما لم يجد له المحللون تفسيرا سوى أن الرجل يبعث برسالة عكسية مفادها أن الصراع بين شقه في حزب "نداء تونس" وشق الرئيس، متواصل، بانتظار احتدامه في 2019.
فالمرجح أن الشاهد من خلال تعيين الحاج ساسي أراد الحصول على رصيد انتخابي إضافي من رموز النظام السابق، والذين يشكلون قاعدة واسعة من حزب "نداء تونس"، للمراهنة على هذه "الماكينة" في الاقتراع المقبل.
هدف يتماهى مع ما يرمي إليه السبسي من خلال تعيين "الصيد" مستشارا له، حيث يلعب بورقة يطمع عبرها في الحصول على ودّ ما تبقى من أنصار الصيد ومؤيديه.