"الحديقة الجنوبية" للبيت الأبيض.. هنا سلام يفوح من عبق التاريخ
قبل عقود، تصافحت الأيادي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، معلنة فتح صفحات جديدة عنوانها السلام والتعايش والتسامح.
قبل عقود، تصافحت الأيادي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، معلنة فتح صفحات جديدة عنوانها السلام والتعايش والتسامح.
واليوم، تتعالى سيمفونية السلام من جديد، لتنساب نوتاتها بنفس المكان، على مرأى من ذات الورود الساحرة بألوانها البهية وأوراقها المتناسقة، لتدون قصة تعايش تكتبها هذه المرة دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين.
فمن ذلك المكان المشبع برمزية تاريخية تتعدى حكاية وجوده وتطور طلته الفاتنة عبر الزمن، يستقبل العالم مرحلة جديدة من مسار يمضي نحو تقارب يؤسس لشراكة وسلام دائمين.
فما قصة هذه الحديقة التي لطالما خطفت الأنظار بجمالها وتناسق زهورها وألوانها، والمكان الذي شهد توقيع معاهدتي سلام عربية مع إسرائيل عبر التاريخ؟
البيت الأبيض والحديقة الجنوبية
لحدائق البيت الأبيض مكانة خاصة لدى جميع الرؤساء المتعاقبين على حكم الولايات المتحدة، ولدى زوجاتهم أيضا، حيث تعتبر المحافظة على رونقها وتناسقها من بين بروتوكولات القصر، وهذا ما يفسر كثرة حدائق الفاكهة والورود والمسطحات الخضراء.
وتعد الحديقة الجنوبية من بين أبرز حدائق القصر، تقع جنوب المبنى، وتوصف أحيانا بأنها الحديقة الخلفية لمقر الرئاسة الأمريكية، وتمنح إطلالة شمالية جنوبية على المبنى.
ظلت الحديقة مفتوحة للعموم حتى الحرب العالمية الثانية، قبل أن تتحول إلى مساحة مغلقة من أراضي البيت الأبيض، غالبا ما تستخدم للمناسبات الرسمية والتجمعات غير الرسمية بما في ذلك مسابقة البيت الأبيض السنوية لدحرجة البيض وحفلات الشواء للموظفين، ومنها تقلع المروحية الرئاسية.
عند تشييد المبنى، كان موقع الحديقة الجنوبية عبارة عن مرج مفتوح ينحدر تدريجياً إلى مستنقع كبير، قبل أن يقوم الرئيس توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، ببناء تلال على جانبي الحديقة.
قام جيفرسون، بالتعاون مع المهندس المعماري بنيامين هنري لاتروب، بتحديد موقع قوس النصر كنقطة دخول رئيسية إلى الحديقة الواقعة جنوب شرق البيت الأبيض.
ويشير تصميم المهندس بيير تشارلز لينفانت لمدينة واشنطن في عام 1793، إلى وجود حدائق فرنسية متدرجة تؤدي إلى نهر "تيبر كريك".
ولاحقا، وتحديدا في عام 1850، حاول مصمم المناظر الطبيعية أندرو جاكسون ديفيس تخفيف هندسة التصميم بدمج حدود جنوبية شبه دائرية ومسارات متعرجة.
وتضمنت التغييرات التي أجراها ديفيس توسيع الحديقة الجنوبية، وإنشاء عشب دائري كبير أطلق عليه "منتزه الرئيس"، مبطن بالشجيرات والأشجار المزروعة بكثافة.
وفي عهد الرئيس الأمريكي يوليسيس جرانت، تم تجفيف المستنقع، وحصلت الحديقة الجنوبية على 8 إلى 10 أقدام من الردم تمهيدا لجعل النزول إلى نهر بوتوماك أمرا أكثر يسرا.
وأثناء إدارة الرئيسين رذرفورد هايز وجروفر كليفلاند ، جرت إعادة تصميم الحديقة، وتحديدها بالشكل المعروف حاليا.
وفي عام 1934، عين الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت المهندس فريدريك أولمستيد، وكلفه بتقييم الحديقة والقيام بتغييرات داخلها، فأدرك المهندس الحاجة إلى منح الرؤساء وعائلاتهم حدا أدنى من الخصوصية، مع المحافظة على إطلالة عامة للبيت الأبيض.
قدم أولمستيد تصميما يشبه إلى حد كبير ماهي عليه الحديقة اليوم، يرتكز على الاحتفاظ أو زرع عينات كبيرة من الأعشاب والشجيرات حول المحيط لإنشاء حدود للخصوصية البصرية.
غير أنه لم يغفل منح الحديقة خطوط إطلالات سخية على المنزل من الشمال والجنوب، فيما زرعت مجموعة متنوعة من الحشائش.
وتحافظ الحديقة الجنوبية على نباتات يزرعها رؤساء الولايات المتحدة من الماغنوليا والقيقب والدردار الأمريكي والبلوط الأبيض وغيرها.
أما بركة السباحة والنافورة، فينضمان إلى الحديقة الجنوبية بشكل موسمي، مع الحرص على تزيين حدودهما بزهور الأقحوان مع نبات صفير العنب لفصلي الربيع والخريف، وعشبة إبرة الراعي الأحمر في الصيف.
عبق سلام
عبق السلام يفوح من الحديقة التي كانت شاهدا على توقيع معاهدات سلام مصيرية بالشرق الأوسط.
ففي 26 مارس آذار 1979، احتضنت الحديقة حفل توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
ولاحقا، وتحديدا في 13 سبتمبر أيلول 1993، شهدت الحديقة نفسها مراسم توقيع معاهدة أوسلو، أو أوسلو 1، المعروفة رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي.
والمعاهدة وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، في اتفاق حمل اسم مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية.