بفضل من المولى عز وجل وبإخلاص رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تكلل موسم الحج الحالي بالنجاح المبهر، بعد أن بذل الجميع في المملكة العربية السعودية ممثلين في أعلى سلطة فيها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود "حفظه الله" وجميع القيادات ا
بفضل من المولى عز وجل وبإخلاص رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تكلل موسم الحج الحالي بالنجاح المبهر، بعد أن بذل الجميع في المملكة العربية السعودية ممثلين في أعلى سلطة فيها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود "حفظه الله" وجميع القيادات السياسية والأمنية والدينية والطبية وغيرهم، الغالي والنفيس لتقديم كل التسهيلات وتذليل جلّ الصعاب أمام "ضيوف الرحمن"، وهو اللقب الذي تفضل المملكة إطلاقه على حجاج بيت الله الحرام.
تحقيق هذا النجاح لم يكن إنجازا بحد ذاته، إذا ما نظرنا إلى الخبرة الطويلة التي تتمتع بها المملكة في الإشراف على راحة الحجاج وسلامتهم في كل عام، ولكن قياسا بالظروف التي تحيط بالمنطقة عموما وبالمملكة على وجه التحديد، من مهام جسيمة وأمانة عظيمة حتّمت على بلاد الحرمين أن تواجه الأعداء بكل حزم وعزم، ففي الوقت الذي يحرس فيه رجالها الحدود في الجنوب كان هناك إخوة لهم يخدمون الحجيج في المشعر الحرام، ناهيك عن التهديدات الدنيئة التي أطلقتها الجارة المزعجة إيران ممثلة في رأس الشيطان خامنئي الذي انتقى من العبارات أقذرها والتي يخجل المراهق من التلفظ بها، فما بالك بشخصية تطلق على نفسها "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية" ويطلق عليه أتباعه "الولي الفقيه".
لقد اعتاد الجميع في العالم الإسلامي وبالتزامن مع حلول موسم الحج من كل عام، أن يخرج علينا معممو إيران وأذنابهم في العراق وغيرها من الدول المنزوعة العروبة، بخطابات ملؤها الطائفية المقيتة والحقد البغيض ضد كل ما هو عربي، بل امتد هذا الحقد متجاوزا كل الأعراف والتعاليم الإسلامية بجميع مذاهبها بما فيها المذهب الشيعي، والذي تزخر مراجعه ومجلداته بنصوص تعظّم فريضة الحج على غيرها من العبادات بل وتدعو إلى التراحم بين المسلمين والتعاون بينهم خلال تأدية هذه الفريضة، وليس أدل من ذلك ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهج البلاغة حيث يقول في أشهر خطبه "وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً للأنام، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الاْنْعَامِ، وَيَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ. جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ. وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمّاعاً أَجَابُوا إلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلاَئِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ، يُحْرِزُونَ الاْرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ. جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ للإسلام عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً. فَرَضَ حَجَّهُ، وَأَوْجَبَ حَقَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ".
إلّا أنه ومنذ اختطاف الصفويين للمذهب الشيعي ابتداء من الدولة البويهية في نهاية القرن العاشر الميلادي وامتدادا إلى الدولة الصفوية في عام 1500م نجح الفرس في حصر هذا المذهب في مراجع قم وحوزاتها، حيث انتهجوا منهج العنف وتكفير كل من يخالفهم في محاولة لتسييس هذه الشعيرة الإسلامية التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية وتعلي من روحانيات ديننا الإسلامي الحنيف، التي تتجلى في أن يترك العبد كل اهتمامات الدنيا من مظاهر خداعة وأهداف سياسية ومطامع حزبية إلى التفرغ التام لذكر الله تعالى والتضرع له، إلّا أن تلك العمائم القابعة في طهران وقم، أبت إلّا أن تأخذ موسم الحج إلى مسار يحيد عن ذلك المسار الذي بيّنه لنا القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة.
وبالتزامن مع انطلاق ما سمّي بـ"الثورة الإسلامية في إيران" والتي نتج عنها تولي الخميني قيادتها ابتدع ما أسماه بمراسم "إعلان البراءة" وهي بدعة ألزم بها الخميني الحجاج الإيرانيين بممارستها في مواسم الحج لم ينزل الله بها من سلطان، حيث تخلو جميع كتب الفقه الخاصة بالمذهب الشيعي من بدعة "البراءة" التي ألّفها الخميني، وترجمها في تجمعات ومظاهرات يملؤها الصراخ والعويل الذي لا يخلو من الطائفية النتنة، تلك الطائفية التي تفتح على المسلمين بابا للخلاف والتناحر لا نهاية له، وبتوصية الخميني هذه انحرف مسار هذه الفريضة المقدسة عن مقصدها الذي أرادته الشريعة الإسلامية السمحة.
وخلال العام الماضي شهد موسم الحج حادثة التدافع في مشعر منى والتي أدّت إلى وفاة نحو 769 حاجا، كان من بينهم أكثر من 465 حاجا إيرانيا، وقد أشارت العديد من المصادر أن سبب الحادثة كان الارتداد الخاطئ من الحجاج الإيرانيين الذين كان من بينهم دبلوماسيون وعناصر من الحرس الثوري التابع للمرشد، وحرصا من المملكة على الحفاظ على تنظيم سير الحج وضمانا لأمن وسلامة "ضيوف الرحمن"، فإن كل دولة لا بد عليها أن تلتزم بعدد من الشروط والقوانين التي وضعتها المملكة، من حيث أعداد الحجاج المخصصين لكل دولة ومواقع مخيماتهم ومواقيت تفويج حجاج كل دولة، وهو ما وافقت عليه جميع الدول الإسلامية ما عدا إيران، والتي اشترطت على لسان مندوب ما يسمى بـ"الولي الفقيه" في شؤون الحج والزيارة علي قاضي عسكر، إن "إجراء مراسم دعاء كميل ومراسم البراءة من المشركين جزء من برامج بعثة القائد الخامنئي في موسم الحج"، متحديا أنه لا يمكن لإيران أن توافق على شروط المملكة، ونتج عن هذا التعنّت الإيراني حرمان الحجاج الإيرانيين من أداء فريضة الحج لهذا العام.
هذه الخطوة التي أقدمت عليها إيران بتعليمات من مرشدها الأعلى واكبتها دعوة منه إلى جميع الشيعة في العالم أن يستبدلوا فريضة حج بيت الله الحرام بزيارة ضريح الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء العراقية، وقد تسابقت المراجع الشيعية المحسوبة على طهران إلى تقديم الإغراءات التي اشتملت على عروض ترويجية تقول بأن زيارة كربلاء تعادل فريضة الحج مئات الأضعاف، وقد لاقت هذه الدعوة استجابة غير مستغربة من أتباع طهران.
لكن هناك نقطة لم ينتبه لها خامنئي وزمرته وهي أن هناك في المقابل عشرات الآلاف من الحجاج الشيعة بينهم أكثر من 17 ألف حاج إيراني من خارج إيران قدموا إلى الأراضي المقدسة في بلاد الحرمين من شتى أصقاع الأرض، وقد أتمّوا مناسك الحج وسط ترحيب وحسن استضافة من المملكة العربية السعودية، توافد هذه الأعداد من الحجاج الإيرانيين والشيعة على بلاد الحرمين دون أي اعتبار واكتراث لفتاوى خامنئي وتنزيلاته، تبعث لنا أملا جديدا في استعادة المرجعية الشيعية التي اختطفها الإيرانيون وحصروها في قم وحوزاتها، بأن ينتفض إخوتنا من الشيعة العرب وغيرهم في الدول الأخرى ويعلنونها بكل وضوح أن خامنئي وملالي طهران وأتباعهم في الدول المنزوعة العروبة لا يمثلون المذهب الشيعي، وهي وإن حدثت فستكون بمثابة إعلان "البراءة" من هذا المنهج الصفوي العنصري.
وللأمانة، فإن هناك العديد من المراجع والفقهاء العرب الشيعة لهم وقفات مشرفة لنبذ الفتنة المذهبية وتغليب لغة التقارب الإسلامي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله وموسى الصدر ومحمد علي الحسيني وعلي الأمين وغيرهم، وكما أعلن المسلمون السنة براءتهم ونبذهم لداعش والقاعدة وجبهة النصرة والزرقاوي وبن لادن والبغدادي، فعلى نظرائهم من المسلمين الشيعة أن يعلنوا براءتهم التنظيمات الإرهابية المحسوبة على الشيعة كحزب الله والحشد الشعبي ولواء أبي فضل العباس وغيرها من الميلشيات المسلحة ونبذهم لسياسة إيران العنصرية ضد العرب ولخامنئي وعصابته الإجرامية كنصرالله وأوس الخفاجي وقاسم سليماني، حتى يقطعوا الطريق على كل من تسول له نفسه أن يختطف المذهب الشيعي العربي الذي تمثّل في الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، العربي أبا عن جد وجميع آل البيت عليهم السلام، ويفتخرون بعروبتهم وبلغتهم التي نزل بها القرآن الكريم منهاج السنة والشيعة، والذي قال فيه المولى عز وجل في محكم تنزيله "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"، فهل نشهد هذه الانتفاضة قريبا؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة