المخرجة السعودية هيفاء المنصور يعرض لها حاليا فيلم "ماري شيلي"، كما تحصل على أول دعم سعودي لفيلم جديد.. لماذا؟ قراءة في الفيلم وأعمالها
بينما يعرض الفيلم الأمريكي الأوروبي المشترك "ماري شيلي" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، لتصبح أول سعودية وعربية تحلق بموهبتها خارج الحدود، وافق مجلس الفيلم السعودي على دعم فيلمها المقبل “المرشح المثالي”.
وتصر "المنصور" بأعمالها على دعم فكرة تحرر المرأة، لتصبح الوجه الأكثر وضوحا وشهرة للانفتاح السعودي الثقافي والفني والاجتماعي، خصوصا بعد نجاحها في الوصول إلى هوليوود.
وكان فيلمها "وجدة" الذي عرض منذ 6 سنوات تقريبا، وتم تصويره بالكامل في السعودية، يتحدث عن فتاة عمرها 10 سنوات تتوق إلى امتلاك دراجة هوائية، حتى يتسنى لها أن تتسابق مع ابن الجيران عبدالله، ولكن الدراجات محظورة على الفتيات، فتجد نفسها أمام سبيل وحيد، وهو المشاركة في مسابقة لتحفيظ القرآن والفوز بها من أجل تحقيق حلمها بامتلاك الدراجة، وهو الفيلم الذي حصل على أكثر من 18 جائزة دولية، كما أنه ترشح لجائزة "البافتا" البريطانية.
ونالت هيفاء المنصور إشادة دولية عن فيلمها "المرأة بلا ظلال"، وكذلك أفلام “من؟”، “الرحيل المر”، و”أنا والآخر”، الذي طرح قضايا التعدد الفكري في السعودية وحاز على جائزتين دوليتين، جائزة “أفضل سيناريو” في مسابقة أفلام من الإمارات عام 2004، والثانية فوزه بتنويه خاص في مهرجان روتردام للفيلم العربي بهولندا في العام نفسه.
ودرست هيفاء المنصور الأدب الإنجليزي المقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتخرجت 1997، كما حصلت على عدة جوائز، منها "الخنجر الذهبي" لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان مسقط السينمائي، وهي أول جائزة ذهبية في تاريخ السينما السعودية، كما فازت بجائزة "آي دبليو سي للمخرجين"، خلال الدورة الـ14 من مهرجان دبي السينمائي.
أول عربية تخرج فيلما أمريكيا أوروبيا
أما فيلمها الجديد "ماري شيلي" -الذي عرض للمرة الأولى، خلال مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، في كندا في 9 سبتمبر/أيلول، كما عرض، خلال الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي- فهو إنتاج أمريكي بريطاني مع لوكسمبورج، فهي العربية الوحيدة وربما الأولي تاريخيا التي يسند إليها إخراج فيلم أمريكي أوروبي بالكامل، وهو يحمل اسم الكاتبة التي ولدت في لندن لعائلة مثقفة، فوالدها هو الكاتب والمفكر السياسي ويليام جودوين، ووالدتها الكاتبة النسوية ماري وولستونكرافت، وتعد الكاتبة متماثلة مع هيفاء ذاتها في رحلتها الفنية وأفكارها التي تحاول من خلالها التصدي لـ"التابو" الاجتماعي.
ورغم أن هيفاء، وبحسب تصريحها لم تسع لرواية "ماري شيلي"، وإنما الرواية هي التي سعت إليها، إلا أنها لم تخف سعادتها بذلك، حيث اعتبرت أن العالم يجب أن يتعلم من قصة حياة الكاتبة الإنكليزية ماري شيلي، ومن الظروف التي دفعتها لكتابة روايتها "فرانكشتاين"، معتبرة أن الشخصية إرث رائع لكل العالم، كما اعتبرت رواية "فرانكشتاين" إنتاجاً روائياً مهماً، خاصة إذا نظرنا للظروف التي كُتبت فيها الرواية والدوافع التي قادت شيلي لكتابتها، بما في ذلك علاقتها مع زوجها وفقدانها لابنها، قبل أن تضيف "يجب الاعتراف بهذا الإرث، ولا يجب الاحتفال بالوحش الذي في الرواية، وإنما بتلك الشابة الصغيرة التي كتبت الرواية".
قصة حياة الكاتبة
والفيلم مستوحى من حياة ماري وزواجها من الشاعر بيرسي بيش شيلي، (4 أغسطس/آب 1792 - 8 يوليو/تموز 1822) وهو شاعر إنجليزى رومانتيكي معروف، لذا ربما يعتقد البعض أن قصة الحب التي نشأت بينهما وأدت إلى زواجها كانت تقليدية كتلك القصص الرومانسية المعتادة، ولكن الحقيقة أن الشاعر كان متزوجا قبل أن يلتقي "ماري"، وعندما تعرف عليها رأى فيها من يفهمه ويعيش أفكاره في الفلسفة والشعر فنشأت بينهما قصة الحب التي دفعته لأن يهرب معها إلى فرنسا ثم إيطاليا، وتزوجا بعدما انتحرت زوجته الأولى "هارييت وستبروك"، التي كانت من طبقة اجتماعية أدنى.
والفيلم يفتتح على أصوات خربشة ومخلوقات غاضبة من النثر التقليدي القاسي الذي تربت عليه الابنة ماري "إيلين فاننج" البالغة من العمر 16 عاماً لأب وأم من الثائرين، ومع موت والدتها بعد الولادة مباشرة، تنضج الشابة ماري في بيت متوتر بلا حب تديره زوجة أبيها المتهورة "جوان فروجات"، فتبدأ ماري في قراءة قصص الأشباح، وتتطلع لإثبات ذاتها واستقلاليتها، حيث يصبح التحدي إيجاد صوتها الخاص المسموع، ولمساعدتها في هذا المسعى، يصل الشاعر المتحمس الشاب بيرسي شيلي "دوجلاس بوث" الذي يعد من المفكرين الأحرار، وبعد محاورة قصيرة حول قبر "ولستونكرافت" مستوحاة من الشعر والمثل الثورية للمساواة بين الجنسين، والحب الحر والعيش المشترك، تنجذب إليه ماري.
المرأة والوحش فرانكشتاين
ويركز الفيلم على الهجر والشعور بالوحدة، ووقوف المجتمع أمام الحب وتحرر المرأة لتنطلق حركة ما تشبه حركة "#MeToo "، لتبعث المخرجة برسائلها الخاصة من خلال الفيلم عبر الكثير من التفاصيل المؤلمة، مثل قيام الزوجة الأولى المهجورة لبيرسي هارييت بإغراق نفسها، كذلك نرجسية بيرسي نفسه وأحكام اللورد بايرون "توم ستوريدج" على العلاقات العاطفية من منظور محافظ، كما لا يهمل الفيلم الإشارة إلى رواية فرانكشتاين من خلال قراءة النساء البائسات لها وكأنهن تجسيد لمخلوق فرانكشتاين نفسه المضطهد بقسوة، الذي تعده الكاتبة أكثر إنسانية بكثير ممن يعتبرونه وحشا، وهي الرواية التي تم الاستناد إليها في البرلمان البريطاني عام 1824، لمعارضة إلغاء العبودية، على أساس أن العبيد المفرج عنهم سيشبهون مخلوق فرانكشتاين، حيث يتمتعون بقوة مفرطة من الناحية البدنية والعاطفية، ولكن دون عقل ناضج.
ورغم التركيز القوي والمبتكر على المرأة الجريحة التي تشبه الجانب الإنساني في شخصية فرانكشتاين باعتباره ضحية، ينتهي الفيلم برسالة تقليدية مخيبة للآمال من وجهة نظر العديد من النقاد، فرغم كل المعاناة للبطلة بسبب المثالية والرومانسية فإنها تنطلق مع العاطفة بمجرد الاطمئنان لبيرسي.