الإمارات ومصر.. تنسيق استراتيجي بكل المجالات
شهدت السنوات الماضية تنسيقا وثيقا بين الإمارات ومصر على الصعيد السياسي، خصوصا حيال القضايا الرئيسية على الصعيدين العربي والدولي.
وترتبط الإمارات ومصر بعلاقات تاريخية وثيقة تستند إلى الوعي والفهم المشترك لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها وتشهدها المنطقة.
كما تستند العلاقات بين البلدين إلى أهمية التعامل مع هذه المتغيرات بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن العربي والإقليمي، وتحافظ على استدامة التنمية في دولها.
ويحظى البلدان بحضور ومكانة دولية خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
وترتبط أبوظبي والقاهرة بعلاقات تاريخية أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من خلال قناعة راسخة بمكانة مصر ودورها المحوري في المنطقة.
ويرجع تاريخ العلاقات بين البلدين إلى ما قبل عام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترك وصية خاصة بمصر قال فيها: "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة".
ولطالما وقفت الإمارات إلى جانب شقيقتها مصر في الأوقات الصعبة منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وفي أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967، حيث سارع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مد يد العون لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي، وصولا إلى مساهمته في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامنا مع القاهرة، بجانب تبرعه بـ100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في الحرب.
ومثلما دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مصر في الحرب، شارك في مرحلة البناء التي توجت بمدينة الشيخ زايد التي شيدت على مساحة 9500 فدان والتي أهداها لمصر عام 1995، بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية.
كما توجد مدينة جديدة في المنصورة (دلتا النيل) تحمل اسم الشيخ زايد أيضا، وفي 2010 تم الانتهاء من مشروع قناة الشيخ زايد، لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة توشكى، وفي مستشفى الشيخ زايد يعالج مصريون، ويتعلم أبناؤهم في مدارس تحمل اسمه.
في المقابل، كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة العرب.
ومنذ ذلك التاريخ، استندت العلاقات الإماراتية المصرية إلى أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وقد تعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها على كل المستويات للتنسيق حيال تلك التحديات.
وفي عام 2008، تم التوقيع على مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، نصت على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية، وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل مزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق في فبراير/شباط 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع كل 6 أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسؤولين.
وتعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها للتنسيق حيال تلك المواقف، وهو ما أظهر نجاحا كبيرا في العديد من الملفات التي تحظى باهتمام الجانبين.
وتحتل الإمارات المركز الأول دوليا وعربيا من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، والتي وصلت إلى نحو 6.663 مليار دولار في عام 2018 مقارنة بنحو 6.513 مليار دولار عام 2017.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من يناير/كانون الثاني حتى أكتوبر/تشرين الأول من 2018 نحو 3 مليارات دولار، فيما بلغ عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر إلى 1065 شركة حتى مارس/آذار 2019 مقارنة بنحو 923 شركة عام 2017.
وتنظم العلاقات بين البلدين مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات، ومن أبرزها: اتفاقية للتعاون العلمي والتقني في الميادين الزراعية، اتفاق تبادل تجاري وتعاون اقتصادي وتقني وتشجيع وحماية الاستثمارات، اتفاق إنشاء لجنة عليا مشتركة بين البلدين.
كما وقع البلدان اتفاق تعاون مشترك بين الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية واتحاد الغرف التجارية والصناعية بدولة الإمارات، واتفاقية للتعاون المشترك بين الاتحاد التعاوني الاستهلاكي بدولة الإمارات والاتحاد العام للتعاونيات بمصر.
ومن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين أيضا اتفاق إنشاء مجلس الأعمال المصري الإماراتي المشترك بين الاتحاد العام للغرف التجارية واتحاد غرف تجارة وصناعة أبوظبي، اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، اتفاقية التعاون القانوني والقضائي، اتفاقية بشأن الخطوط الجوية، مذكرة تفاهم بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل والهيئة العامة للاستثمار.
ويشهد الجانب الثقافي على العلاقة الوطيدة والتآخي الحقيقي بين البلدين؛ إذ تتم سنويا زيارات ولقاءات متبادلة بين المثقفين المصريين والإماراتيين في المؤتمرات الثقافية والعلمية والفنية التي يستضيفها البلدان.
وتعبيرا عن التقدير للدور الإماراتي الداعم لقطاع الثقافة في مصر، قدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مايو/أيار 2015 قلادة الجمهورية للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تقديرا لمواقفه الداعمة لقطاع الثقافة في مصر وحرصه على إنشاء دار جديدة للوثائق القومية بمنطقة الفسطاط.
ويحظى الأزهر الشريف بتقدير إماراتي رسمي وشعبي، كمرجع ديني معتدل، وفي هذا الإطار جاء إعلان مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبريل/نيسان 2013 عن مبادرة لتمويل عدة مشروعات في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية تبلغ تكلفة إنشائها نحو 250 مليون درهم إماراتي.
وتضمنت المشروعات ترميم مكتبة الأزهر الشريف وصيانتها وترميم مقتنياتها من المخطوطات والمطبوعات وترقيمها وتوفير أنظمة حماية وتعقب إلكتروني لمراقبتها وتعقبها والمحافظة عليها.
كما ضمت المشروعات تمويل إنشاء 4 مبانٍ سكنية لطلاب الأزهر في القاهرة، وتمويل أعمال تصميم إنشاء مكتبة جديدة على أحدث النظم المكتبية العالمية للأزهر الشريف تليق بمكانته وما تحويه مكتبته من نفائس المخطوطات والمطبوعات حـتى تستطيع مكتبة الأزهر الشريف القيام بالدور المنوط بها في نشر الثقافة الإسلامية وإتاحة أوعيتها النادرة لطلاب العلم والباحثين، وكي تكون مركزا عالميا للإشعاع الإسلامي والثقافي.
aXA6IDE4LjE5MS4yMTIuMTQ2IA== جزيرة ام اند امز