التقدم الذي تحرزه الدول لا يُقاس بحجم الأضرار التي تسببها الكوارث الطبيعية؛ فعلى سبيل المثال، عندما تتعرض اليابان للزلازل المستمرة، تنهض بسرعة وتصلح ما قد دُمر، وكذلك تتعافى أمريكا من الأعاصير المستمرة وتعمل على إعادة البناء بسرعة.
هكذا هي دولة الإمارات، فقد تعرضت لمنخفض جوي هو الأعنف الذي لم تشهده قط في تاريخها، وكميات مياه ضخمة خلال 24 ساعة بحجم ما ينزل على مدينة لندن في خمسة أشهر!
كانت هناك بعض الأضرار في الممتلكات، لكن لا خسائر في الأرواح، وهذا لطف من الله. ولأن البنية التحتية جيدة؛ فلم تنقطع الكهرباء والماء والاتصالات، ولم تتأثر لا البنية التحتية أو الفوقية. إلا أن الشوارع والساحات تأثرت من حجم المياه الكبير الذي ارتفع عن منسوبه الطبيعي، ما سبّب تعطلاً جزئياً وارتباكاً للحركة في بعض مدن دولة الإمارات.
وكان الأكثر لفتاً للأنظار مدينة دبي، التي لا تنام ولا تتوقف أبدًا، ما يجعلها تحت الأنظار دائماً. والخبر الجميل أن المطارات خاصة في دبي عادت بجدولة الرحلات بعد 12 ساعة، بينما عادت الحياة بعد 24 ساعة كما كانت.
نعم، عادت الحياة إلى مدينة دبي العالمية وعادت الحياة إلى عموم دولة الإمارات؛ لأنها دولة متقدمة وديناميكية كما المدن العالمية الأخرى التي تصلح نفسها بنفسها بسرعة وتنهض.
وكما تعودنا في دولة الإمارات، فإننا مع كل تحدٍّ نجتازه أولًا، ومن ثم نتعلم الدروس والعبر والتقييم للأداء من مثل هذه التحديات، ومن ثم نستمر في التقدم ومواجهة التحديات التالية.
ودعوني ألفت النظر سريعًا في قراءة سريعة للمشهد إلى أربعة أبعاد رئيسية في النموذج الإماراتي للتعامل مع منخفض الهدير.
البُعد الأول: الاستعداد المسبق والبنية التحتية: حيث لم تكن استعدادات دولة الإمارات لمواجهة المنخفض الجوي مجرد تدابير استجابة عاجلة؛ بل كانت نتيجة سنوات من التخطيط المسبق وتطوير بنية تحتية على أعلى مستوى. هذه الاستعدادات مكنت الدولة من التعامل مع الظروف الاستثنائية بفاعلية.
البُعد الثاني: نظام الإنذار المبكر والتخطيط المتكامل: حيث إن نظام الإنذار المبكر في دولة الإمارات يتبعه تطوير خطط شاملة تشمل مختلف الأصعدة الإدارية واللوجستية، ما يسهم في تعزيز القدرة على الاستجابة للأحداث الطارئة بسرعة وكفاءة.
البُعد الثالث: التضامن المجتمعي: يعكس روح التضامن العالية والوعي المجتمعي المترسخ ضمن السكان، سواء المواطنين أو المقيمين، وهذا ظهر جليًا من خلال المبادرات الفردية لدعم الجهود الحكومية في إزالة العقبات وتسهيل عمليات تصريف المياه. هذه الروح المجتمعية تعزز من السرعة في التغلب على الأزمات.
البُعد الرابع: إدارة الأزمات: ويُظهر الإدارة المثالية للأزمة، مدعومة بتجاوب فعّال مع نظام الإنذار، كانت محورية في نجاح دولة الإمارات في تجاوز الآثار السلبية لمنخفض الهدير بكفاءة. والأداء اللافت للجهات المعنية خاصة الدفاع المدني والشرطة أسهم في سرعة الإنقاذ والإجلاء واستعادة الحياة الطبيعية في غضون ساعات.
وأمام هذا النموذج الرائد في التعامل مع الأزمات المفاجئة الذي يعتبر نموذجًا عالميًا، أختم برسالة أرددها دائمًا وهي أن قدر دولة الإمارات أنها حديث الناس وأنها على كل لسان في كل حالاتها في الحر والبرد وفي الشمس والمطر في الأرض أو في الفضاء لأنها متصدرة، وهذه ضريبة الصدارة. علينا أن نستوعب الدروس وألا نلتفت لكلام المُثبطين ولا نتأخر عن سباق الأمم ولا نبطئ التقدم نحو المستقبل مهما قال القائلون خيرًا أو شرًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة