الإمارات وكوريا الجنوبية.. 4 عقود من علاقات تاريخية مثمرة
تشهد العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية تطوراً نوعياً في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية بفضل حرص القيادة في البلدين على تطويرها وتحقيق الشراكة الكاملة خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية.
وتعكس زيارة رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن إلى دولة الإمارات الحيوية الكبيرة التي تتميز بها العلاقات الإماراتية-الكورية الجنوبية وما تشهده من نمو وتطوّر مستمرين بفضل إرادة التعاون المشتركة التي عكستها تصريحات المسؤولين من الجانبين.
وفي دلالة على عمق تلك العلاقات، احتفت دولة الإمارات وجمهورية كوريا الجنوبية في 2020 بمرور 40 عاما على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي تعود لعام 1980 الذي شهد تدشين سفارة جمهورية كوريا الجنوبية في أبوظبي.
ومنذ ذلك التاريخ، ظلت العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد تطوراً ملحوظاً، حيث تم ترفيع هذه العلاقات إلى "شراكة استراتيجية" في العام 2009، ثم إلى "شراكة استراتيجية خاصة" في عام 2018، وتوسعت هذه العلاقات لتشمل جميع مجالات التعاون على المستويات السياسية، والاقتصادية والثقافية وغيرها.
ويرجع الفضل في التطور النوعي الذي شهدته العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا لحرص القيادة في البلدين على دعم هذه العلاقات وتطويرها.
زيارات متبادلة
ولعبت الزيارات المتبادلة المتعددة التي تمت على مستوى القادة والمسؤولين رفيعي المستوى بين الجانبين دوراً مهماً في توطيد وتقوية هذه العلاقات، وكان أبرز الزيارات على مستوى القادة الزيارة التي قام بها الشيخ محـمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة في يونيو 2006، ومايو 2010، ومارس 2012، وفبراير 2014، وفبراير 2019.
أما من الجانب الكوري، فتمثلت أبرز زيارات القادة في زيارة الرئيس الأسبق روه مو هيون في مايو 2006، وزيارات الرئيس الأسبق لي ميونغ باك في ديسمبر 2009 ومارس 2011 وفبراير 2012 ونوفمبر 2012، وزيارات الرئيسة الكورية السابقة بارك كون هيه في مايو 2014 ومارس 2015، وزيارة الرئيس مون جيه إن في مارس 2018.
وعلى مستوى الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوى، تمت العديد من الزيارات وآخرها الزيارة الرسمية التي قام بها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي إلى سيؤول في يوليو 2020.
وتم تعزيز هذه العلاقات من خلال قنوات الحوار والاجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين، ومنها الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية، واجتماع (2+2) بين وزارتي الخارجية والدفاع، والمشاورات رفيعة المستوى بشأن التعاون النووي، واجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، وكذلك من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مختلف مجالات التعاون.
ويرتبط البلدان بشراكة شملت مشاريع الطاقة النووية والاقتصاد والرعاية الصحية والثقافة والتعليم والإدارة الحكومية والفضاء والطاقة.
وترتكز العلاقات بين البلدين على دعم القيادتين في كلا البلدين وحرصهما على توثيق أواصر التعاون المشترك في المجالات كافة.
وعزز البلدان شراكتهما بالعديد من الزيارات واللقاءات الرسمية المتبادلة بين كبار القادة والمسؤولين، فيما تعد الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لكوريا الجنوبية في فبراير 2019 أحد أبرز محطات الشراكة بين البلدين بعد أن شهدت توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون بين الدولتين.
التعاون الاقتصادي
ومرت العلاقات بين البلدين بالعديد من التطورات عبر العقود الأربعة الماضية لتصل إلى مرحلة إقامة الشراكة الاستراتيجية في عام 2009، حيث تعززت علاقات الصداقة بين البلدين والتعاون فيما بينهما، وتطورت إلى مستوى أعلى مع توقيع عقد مشروع "براكة" لإنشاء محطة الطاقة النووية في العام نفسه.
ويعد مشروع "براكة" أحد أهم أوجه التعاون ليس فقط من حيث قيمته التي بلغت 18.6 مليار دولار أمريكي، بل أيضاً لأنه أول مشروع بناء محطات للطاقة النووية خارج كوريا الجنوبية، ويعد المشروع أولى المحطات النووية السلمية في العالم العربي، حيث تمكنت كوريا الجنوبية من الحصول على عقد بناء المحطات بفضل الثقة العميقة بين البلدين.
وترتكز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين على مجموعة من المقومات والعوامل، أهمها: الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي الدولتين للارتقاء بمسار العلاقات في جميع المجالات، وتوافق الرؤى إزاء مجمل القضايا الإقليمية أو الدولية، والإدراك التام لطبيعة المصالح المشتركة.
وتعد الإمارات ثاني دولة مصدرة للنفط إلى كوريا الجنوبية، وثاني مستورد من كوريا في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تطابق أهداف النموذج التنموي الذي تتبناه الدولتان والذي يستهدف بناء اقتصاد قائم على المعرفة والاستثمار في بناء الإنسان.
ويعتبر التعاون الاقتصادي أحد أهم مجالات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فقد وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 17 مليار دولار بنهاية عام 2018، ويعد سوق دولة الإمارات منذ عام 2018 الوجهة الأكبر عالميا لشركات البناء الكورية، وكذلك أكبر مستورد للسلع الكورية في الشرق الأوسط.
وتشمل صادرات الإمارات الرئيسة إلى الجمهورية الكورية النفط الخام والمنتجات البترولية والألمنيوم وغاز البترول المسال فيما تشمل الصادرات الكورية الرئيسة لدولة الإمارات المنتجات الإلكترونية، والسيارات والمعدات والمنشآت النفطية.
وبرز التعاون اللافت بين الدولتين في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتبادل الخبرات مع الجانب الكوري في هذا المجال الحيوي نظرا لما تمتلكه كوريا من خبرات واسعة في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي يشكل 99 بالمائة من عدد الشركات الكورية، ويضم أكثر من ثلاثة ملايين شركة صغيرة ومتوسطة.
وتسهم اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين في رفع وتيرة التعاون والتنسيق مع كوريا إلى أعلى المستويات كون البلدين يتمتعان بمقومات اقتصادية جاذبة يمكن تطويرها من خلال تقريب وجهات النظر بينهما وعبر تحديد القطاعات الحيوية التي يمكن التعاون فيها لاسيما الابتكار والتكنولوجيا والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والطب والتعليم والرعاية الصحية.
وتمثل السياحة الإماراتية إحدى الروافد المهمة في تطوير العلاقة بين البلدين، حيث بلغ عدد الإماراتيين الذين يزورون كوريا الجنوبية سنويا نحو 11 ألف شخص وفي المقابل فإن هناك أكثر من 200 ألف مواطن كوري جنوبي يزورون دولة الإمارات سنوياً بغرض السياحة، وقد بلغ عدد الرحلات الجوية الأسبوعية التي تنظمها "طيران الإمارات" و" الاتحاد للطيران" إلى كوريا الجنوبية نحو 14 رحلة.
التعاون الثقافي
ولعب القطاع الثقافي خلال العقود الأربعة الماضية، دوراً أساسياً في تعزيز الثقة والحوار المتبادل وأواصر الثقافة والمحبة بين الشعبين الصديقين، وذلك من خلال تأسيس أرضيات مشتركة وفضاءات يلتقي عبرها المبدعون من كلا البلدين للتعرف على المجتمع من الداخل وعاداته وتقاليده.
ويمتلك البلدان رؤية ثقافية مشتركة تحث على الاحتفاء بمختلف ثقافات العالم ونشر السلام والتبادل المعرفي، وفي ظل هذا التفاهم المشترك، جاء إطلاق مبادرة الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020 وتم تمديده لعام 2021 بسبب جائحة كورونا، وهو يعتبر مثالاً يحتذى بها لتأسيس علاقات دولية بناء على الاحترام والتسامح والاهتمام بالتعرف على الآخر.
وكانت الإمارات قد استضافت في عام 2016 أول مهرجان كوري من نوعه، للاحتفاء بالإرث الثقافي الكوري وتقديمه للمجتمع الإماراتي من خلال الفنون وعروض الأداء وفن الطهي وغيرها من العناصر التي تبرز جوانب الثقافة الكورية، وفي ذات العام تم افتتاح المركز الثقافي الكوري في أبوظبي ليقدم للمهتمين بالتعرف على كوريا فرصة الحصول على دروس اللغة الكورية والمشاركة في فعاليات ثقافية ومعارض فنية وحفلات موسيقية وعروض أداء، وهي الأنشطة التي استقبلها كل من مواطني الدولة والمقيمين على أرضها بكل ترحاب.
وحلت الثقافة الكورية ضيفة في 2019 على "مهرجان أبوظبي" أحد أبرز الفعاليات الثقافية السنوية، وذلك في أعقاب توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع كوريا في مارس من عام 2018، والتي يسعى كلا الطرفين من خلالها إلى تعزيز الروابط الثقافية على عدة محاور في القطاع الثقافي وتعزيز الحضور الفني والأدبي بمختلف أشكاله التقليدية والمعاصرة.
وكانت دولة الإمارات وكوريا الجنوبية قد وقعتا اتفاقية تعاون في المجال الثقافي في 2007م.