تُجسد دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله-، نموذجاً متكاملاً للدولة الوطنية الحديثة.
الدولة التي تنطلق من ثوابت راسخة في إعلاء قيم السلام، والإيمان العميق بكرامة الإنسان، والعمل على ترسيخ خطاب الاعتدال في مواجهة أيديولوجيات الكراهية والعنف.
لقد كانت تجربة الإمارات مثار تقدير دولي، بفضل إنجازاتها التنموية الهائلة، والتزامها الأخلاقي والإنساني الذي غدا سمة بارزة في توجهاتها السياسية والدبلوماسية، من بناء المستشفيات والمدارس في الدول المضطربة، إلى دعم اللاجئين، وإغاثة الجائعين، ومد يد العون والإغاثة إلى القريب والبعيد، وإلى الإنسانية جمعاء.
في مواجهة خطاب التطرف الذي غذّته تنظيمات الإخوان الإرهابية منذ عقود، اتخذت دولة الإمارات موقفاً واضحاً، لا لبس فيه: لا مجال لمهادنة من يسخر الدين أداة للتحريض، أو يضع الجماعة والتطرف في مواجهة الدول الوطنية ومؤسساتها. لقد كان تنظيم الإخوان، منذ تأسيسه عام 1928، يمثل الرافعة الإيديولوجية الكبرى للتيارات المتطرفة، التي ما لبثت أن تفرّعت عنها الجماعات الإرهابية، بدءًا من القاعدة وليس انتهاءً بداعش. فالإخوان مشروع أيدولوجي ممنهج، يهدف إلى تقويض الدولة الوطنية، وإشاعة الفوضى، وترويج خطاب الكراهية تحت غطاء ديني مُضلل.
لقد أدركت الإمارات مبكراً خطورة هذا المشروع، فانطلقت في تفكيك بنيته الفكرية، واجتثاث منابع هذا التيار التخريبي؛ عبر استعادة الخطاب الديني المعتدل، القائم على القيم المشتركة الراسخة، والفهم السليم لجوهر الدين، واحترام سلطة الدولة، وتعزيز ثقافة الانفتاح والحوار. وهكذا، فإن الإمارات تعمل على تحصين المجتمعات في مواجهة الإخوان بوصفهم خطراً وجودياً يهدد تماسك الأوطان، ويعبث بوعي الشباب، ويُزيّف الدين لأغراض أيديولوجية مدمرة.
في ضوء هذه الرؤية، لم يكن مستغرباً أن تواجه دولة الإمارات حملات مغرضة من بعض الأطراف التي لا تزال تراهن على خطاب التشويه والتضليل، ففي محكمة العدل الدولية، أسدل الستار على الدعوى التي تقدم بها الجيش السوداني المختطف، ومن ورائه جماعة الإخوان (الكيزان)، ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة يائسة لصرف الأنظار عن الانتهاكات الجسيمة التي اقترفها هذا الجيش من فظائع إنسانية، وجرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وتهجير قسري في السودان. غير أن قرار المحكمة جاء حاسماً، مستنداً إلى انعدام الأدلة القانونية والحجج الموضوعية، مما أكد مجدداً متانة موقف الإمارات وشفافية نهجها، كما شكل الحكم الصادر من محكمة لاهاي صفعة قانونية قوية للمستولين على الجيش السوداني من تنظيم الإخوان، والمتورطين في انتهاكات جسيمة، وجرائم مروعة بحق المدنيين من الشعب السوداني، وهي التصرفات التي تشكل بمجموعها انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي، وتُصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
لكن، وكما عوّدتنا دولة الإمارات في مقاربتها للأزمات، بادرت إلى ما هو أعمق أثراً وأكثر نبلاً: إذ كثفت جهودها الدبلوماسية الداعية إلى إنهاء النزاع السوداني، وحثت الأطراف المتحاربة على الانخراط في مفاوضات شاملة تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار واحتواء الأزمة. وفي موازاة ذلك، عملت الإمارات على مد جسور من المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة المتأثرين من هذه الحرب المدمرة في السودان في مواطن مكثهم وهجرتهم على حدٍ سواء.
من أبوظبي إلى نيويورك، مروراً بلندن وجنيف وأديس أبابا، تحرص دولة الإمارات على أن تكون حاضرة وفاعلة في كلّ منصة تُعنى بالسلام والتنمية، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن العالم العربي والإفريقي ما عاد يحتمل مزيداً من النزاعات والحروب، وأن الدولة الوطنية، بما تمثله من استقرار مؤسسي وحكم رشيد، هي المسار الأوحد لبناء مستقبل آمن ومستقر للأوطان والشعوب.
إن ما يجري في السودان من سيطرة تنظيمات أيديولوجية راديكالية، ومن تَحكّم سلطة بورتسودان الراهنة، ممثّلة في قيادة الجيش وجماعة «الإخوان» الإرهابية، يشكل خطراً جسيماً يهدد الوحدة الوطنية للسودان وتماسك نسيجه الاجتماعي، ويُنذر بتوسّع دوائر التصدع والانقسام في الإقليم بأسره. ولذلك، فإن مقاربة الخروج من هذه المأساة، ومساءلة المجرمين من قيادات الإخوان والجيش المختطف، تحوّلت إلى ضرورة إقليمية ودولية مُلحّة، تفرضها مسؤولية استعادة منظومة الأمن، والاستقرار، والسلام المستدام.
إنّ انتصار دولة الإمارات في محكمة لاهاي يمثل تقدماً للغة السلام والحق على لغة الحرب والباطل، إذ يثبت أن لساني القانون والحوار يملكان القدرة على تقويض ذرائع العنف وهدم سرديات التدمير، وأن منطق السلام والعطاء هو الأقوى على ساحة النزاعات الدولية. هذا النصر القانوني يجسد نموذجاً حياً للدبلوماسية الإماراتية النشطة، ويعبر عن انتصار لصوت الحكمة الذي يختار مسار العدالة والإنصاف بعزيمة لا تلين، ولصوت العقل الذي يؤمن بأن السلام هو المعادلة الناجحة. وعبر هذا المشهد القضائي، ترسم الإمارات سِجلاً جديداً للدولة القادرة على حماية مصالحها ضمن أطر القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، وتؤكد لمن يراهن على لغة التخريب أن مسار الحق لا يُمكن محاصرته بجبروت الفوضى والتخويف.
إن انتصار دولة الإمارات العربية المتحدة على دعاوى الافتراء هو مصدر فرح لكل أبناء الشعب السوداني الشرفاء الرافضين لانتهاكات البرهان وتحالفه مع فلول الإخوان الخونة، المتورطين في تقويض الدولة وزعزعة استقرارها. أُهنئ دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله- على هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي، الذي هو انتصار لقيم الحق والعدالة والسلام، في وجه تيارات الشر والفتن والفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة