في عالم السياسة والعلاقات الدولية، تبرز قاعدة مفادها: "لا تحالفات دائمة ولا صراعات دائمة، بل مصالح دائمة".
هذه القاعدة تختصر كثيرًا من التعقيدات التي تحكم سلوك الدول والفاعلين السياسيين عبر العصور، وتفسر التقلبات الظاهرة في التحالفات والخلافات والصراعات بين الأمم.
فالسياسة، في جوهرها، ليست تعبيرًا عن عواطف أو ولاءات ثابتة، بل عن إدارة دقيقة للمصالح القومية وفقًا للظروف المتغيرة.
ويعود أصل هذا المبدأ إلى المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، التي تؤكد أن الدولة، كفاعل عقلاني، تسعى دائمًا لتعزيز أمنها وقوتها ومكانتها، بغض النظر عن الاعتبارات الآنية أو الارتباطات العاطفية.
وقد عبّر عن هذه الرؤية عدد من القادة عبر التاريخ، أبرزهم اللورد بالمرستون بقوله: "ليس لنا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل مصالح دائمة".
لكن الإقرار بمركزية المصالح لا يعني أن السياسة ينبغي أن تكون خالية من الأخلاق. بل على العكس، لا تكتسب السياسة شرعيتها واستدامتها إلا إذا أُديرت المصالح ضمن إطار قيمي وأخلاقي.
فالمبادئ الأساسية مثل احترام التعهدات، الحفاظ على مصداقية الكلمة، والوفاء بالالتزامات، ضرورية لبناء الثقة مع الحلفاء والخصوم على السواء. وهذا ما تطبقه دولة الإمارات العربية بكل احترافية منذ ميلاد دبلوماسيتها قبل أكثر من خمسين عامًا.
تاريخيًا، تثبت التحولات الكبرى هذه المعادلة الدقيقة. فالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تحالفا ضد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، رغم تباين أيديولوجياتهما، ولكن انهيار هذا التحالف لاحقًا لم يتم بشكل فوضوي، بل عبر إدارة حسابية دقيقة للمصالح، ضمن حدود معينة تحافظ على توازن دولي نسبي رغم بدء الحرب الباردة.
لم يكن الأمر فضًا متهورًا لتحالف، بل انتقالًا محسوبًا مع محاولة الإبقاء على القواعد الأخلاقية الدنيا التي تمنع الانزلاق إلى فوضى عارمة، عالية الكلفة. كما أن التقلّب الانتهازي بلا ضمير، إذا تجاوز حدود المعقول، يؤدي إلى فقدان الثقة وعزلة الدولة.
على المستوى الإقليمي، يبرز الشرق الأوسط كمنطقة كثيفة الأمثلة على تغير التحالفات حسب موازين المصالح. غير أن من بقي فاعلًا وقادرًا على الصمود هو من حافظ في تحركاته على مصداقية نسبية، ولم يسقط في براثن التقلّب الاعتباطي.
ختامًا، السياسة بالنسبة للدول الرشيدة هي بالفعل فن إدارة المصالح، لكنها لا يمكن أن تكون فنًا ناجحًا ما لم تُمارَس ضمن ضوابط أخلاقية تراعي الثقة والسمعة والالتزام بالمبادئ الأساسية. فالمصالح متغيرة، نعم، ولكن الطريقة التي ندير بها هذه المصالح تحدد ما إذا كنا سنظل فاعلين مؤثرين، أم سنخسر احترامنا لأنفسنا واحترام العالم لنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة