في ظل التحديات العالمية المتزايدة، تبرز الصين كقوة تسعى إلى تعزيز السلام والتنمية من خلال التزامها بالسياسات المتعددة الأطراف والإصلاحات في نظام الحوكمة العالمية.
تتزامن زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو للمشاركة في احتفالات لإحياء الذكرى الـ80 للانتصار في الحرب الوطنية العظمى مع جهود الصين المستمرة لتعزيز التعاون الدولي والسلام العالمي.
إن شي جين بينغ، الذي يقود أمة عرفت عبر تاريخها الطويل بحبها للسلام، فهو أيضًا قائد تواق دائمًا للسلام، محب للوئام، يستند في رؤيته إلى إرث حضاري حيث قاوم الحروب والعدوان، وخرج من نضاله ضد العسكرية والإمبريالية والفاشية بإرادة أقوى وإيمان أعمق بقيمة الاستقرار.
من هذا المنطلق، يولي أهمية قصوى لبناء عالم يسوده السلام، خصوصًا في ظل التوترات والصراعات التي يشهدها العالم اليوم. وتستمد الصين مواقفها الراهنة من تجاربها المؤلمة في مواجهة الغزو والاحتلال، إذ بات السلام بالنسبة لها ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة وجودية.
ومن خلال دعوتها المستمرة لتذكّر التاريخ، تسعى الصين إلى تحصين المستقبل من تكرار المآسي، وتوجيه المجتمع الدولي نحو الحوار والاحترام المتبادل.
في عالم تتزايد فيه النزعات الأحادية والحمائية، أجد أن التمسك بالتعددية والتعاون الدولي لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة. إن النظام الدولي القائم على مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي هو الضامن الوحيد لتحقيق الاستقرار والتوازن، ومن هنا تنبع الحاجة إلى إصلاح نظام الحوكمة العالمية بما يعكس مصالح الجميع، لا مصالح قلة من الدول.
لقد أثبتت التجارب أن فرض الإرادة بالقوة لا يجلب إلا المزيد من الاضطراب، بينما يفتح الحوار والتشاور الباب أمام حلول دائمة.
إن ما تدعو إليه الصين من تعزيز الشراكات والانخراط في عمليات حفظ السلام، يمثل نموذجًا عمليًا لما يمكن أن تكون عليه التعددية الحقيقية: شعلة تهدي العالم في زمن الغموض.
من هنا، أرى أن الدفاع عن هذه القيم ليس موقفًا سياسيًا فحسب، بل التزام أخلاقي تجاه مستقبل البشرية.
تؤمن الصين بأن السلام والتنمية يشكلان ركيزتين لا تنفصلان: فلا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون بيئة آمنة ومستقرة، كما أن التنمية بدورها تسهم في معالجة جذور الصراعات وتعزيز الاستقرار طويل الأمد.
ومن هذا المنطلق، تنتهج الصين سياسة تركز على تعزيز التعاون التنموي والاقتصادي مع مختلف دول العالم، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن التنمية المشتركة هي المفتاح لبناء عالم أكثر استقرارًا وتوازنًا.
وقد أطلقت الصين عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز التنمية العالمية، مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية، حيث تهدف هذه المبادرات إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والبنية التحتية والتنمية المستدامة في مختلف أنحاء العالم.
كما قدمت الصين مساعدات إنمائية لأكثر من 160 دولة، وشمل تعاون الحزام والطريق أكثر من 150 دولة. وضمن مبادرة التنمية العالمية، حشدت الصين نحو 20 مليار دولار أمريكي من أموال التنمية، وأطلقت أكثر من 1100 مشروع، ما عزز محركات النمو والتحديث في العديد من الدول، لا سيما النامية منها.
وضمن هذا التوجه القائم على الشراكة لا الهيمنة، تبرز العلاقات الصينية-الروسية كنموذج للتعاون الاستراتيجي المبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
فالعلاقة بين البلدين لا تستند إلى تحالفات تقليدية، بل إلى رؤية مشتركة تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب وأكثر عدلًا. وتعمل بكين وموسكو معًا على تعزيز الاستقرار الإقليمي وتوسيع آفاق التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن، في ظل التزام مشترك بدعم السلام والتنمية ومواجهة السياسات الأحادية والتكتلات الإقصائية.
تدرك الصين أن مستقبل العالم لن يُبنى على الهيمنة، بل على الشراكة، وأن النظام الدولي لا بد أن يعكس مصالح الأغلبية، لا امتيازات القلة. ومن هذا المنطلق، تواصل الصين الدعوة إلى إصلاح شامل لنظام الحوكمة العالمية، بما يضمن تمثيلًا أوسع للدول النامية ويعزز العدالة والشفافية.
وفي عصر تتقاطع فيه التحديات وتتداخل المصائر، تقدم الصين نفسها ليس فقط كقوة صاعدة، بل كصوت يدعو إلى التوازن والعقلانية. إنها لا تطرح نموذجًا بديلاً مفروضًا، بل خيارًا إنسانيًا مبنيًا على الاحترام والتنمية والسلام، خيارًا يدعونا جميعًا لإعادة التفكير في مسؤولياتنا المشتركة تجاه العالم الذي نريد أن نعيش فيه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة