حين يتحول وهم العظمة إلى مرض، ويُقنع صاحبه نفسه أنه في مهمة عظيمة بينما يدور في دوائر مغلقة.. فإننا لا نتحدث عن تشخيص طبي لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، بل عن ما نراه أمامنا من سلوك حكومة بورتسودان، المتصدرة باسم الجيش السوداني.
هذا الجيش – أو من يصرح باسمه اليوم – يعاني أعراضًا لا تخفى: اندفاع في إطلاق الاتهامات، تشتت ذهني في تحديد الخصوم، وهمٌ دائم بأن الجميع يتآمر عليه، وقصورٌ مزمن عن الاعتراف بالعدو الحقيقي الذي يسكن داخله. سرعة في التحرك، ولكن في الاتجاه الخطأ… وفرط في العنف، لكن على المدنيين وحدهم.
منذ عام 2011، سجّل الجيش السوداني سلسلة من الانتهاكات الجسيمة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. فقد تم توثيق استخدامه للذخائر العنقودية في مناطق مأهولة بالسكان، وقصفه العشوائي للقرى والمزارع، مما أدى إلى مقتل وجرح العديد من المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وتهجير الآلاف.
كما مُنعت المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المتضررين، مما فاقم الأزمة وعمّق الجراح المفتوحة في جسد السودان.
هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بالدماء، ولا تزال رائحة الإبادات تخرج من ثنايا تاريخهم القريب، ظنّوا أن حمل الإمارات إلى محكمة العدل الدولية سيكون طريقهم إلى غسل أياديهم. لكنهم – كما يفعل أصحاب فرط الحركة – قفزوا في الهواء ليسقطوا على رؤوسهم، بفصلٍ قاطع من دفتر العدالة الدولية: قضية لا اختصاص للمحكمة فيها، ولا حجة للمدّعي، ولا برهان للبرهان.
منذ اللحظة الأولى، كانت الشكوى مجرّد حيلة سياسية، كمن يصطنع خصمًا خارجيًا ليتقمّص دور البطل المظلوم. لكن في هذا المشهد، كان الجمهور يعرف الحقيقة مسبقًا: الشر ليس في الخارج، بل فيمن نكّل بشعبه، ومزّق نسيج بلاده، ثم جاء يتحدث عن “الإبادة” كأنه شاهد لا فاعل.
العدالة نطقت، لا بالبراءة فحسب، بل بالصفعة القانونية… والمشكلة لم تكن في القانون، بل في من يستغل دماء شعبه ليقايض بها على طاولات العالم.
ومع كل هذا، فإن الشعب السوداني لا يُختزل بقيادته. فهو شعب كريم لا يستحق ما يُرتكب باسمه. ومن يقف معه، لا يفعل ذلك طمعًا في مديح أو رغبة في تصفية حساب، بل لأنه يُدرك الفرق بين من يطلب الدعم لنصرة شعبه، ومن يطلبه لستر خيبته.
لقد انتهت مسرحيتهم، وخسروا أمام المحكمة، وخسروا من حولهم، حتى أصبحت نفوسهم تنبذهم. أما دولة الإمارات، فبقيت في صف العدالة، ومعها صوت القاضي حين هوت مطرقته على رأس كل مشكك، قائلاً: هنا تُصنع الحقيقة.. لا في خيال المصابين بفرط الادعاء
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة