في عالم تكثر فيه الشعارات وتضيع فيه الحقائق، جاءت لاهاي لتحسم الجدل: لا دليل، لا اختصاص، لا قضية!.
هذا ما خرجت به محكمة العدل الدولية حين أغلقت، وبشكل نهائي، ملف الادعاء الذي قدمه الجيش السوداني ضد الإمارات، متهمًا إياها زورًا بدعم «الإبادة الجماعية» في دارفور.
لكن ما وراء هذا القرار أعظم من مجرد حكم قانوني. إنه إسقاط مدوٍ لرواية سياسية فُبركت بعناية، وركبت على آلام شعب يُمزّقه صراع داخلي مرير.
الفصل الأول: من بورتسودان إلى لاهاي… رواية تنهار
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، كانت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، مسرحًا لمجازر وانتهاكات مروعة.
ومع اشتداد الضغط الدولي، لجأت القيادة العسكرية المتمركزة في بورتسودان إلى تصدير الأزمة، ووجّهت أصابع الاتهام إلى الخارج.
في قلب هذه الاتهامات: دولة الإمارات العربية المتحدة.
الذريعة؟ مزاعم بتقديم دعم لقوات الدعم السريع، وصولًا إلى اتهامها بالمشاركة في «أعمال إبادة جماعية».
لكن حين سُئل: أين الدليل؟ كانت الإجابة واضحة: لا شيء سوى الروايات الدعائية.
الفصل الثاني: الإمارات ترد من قلب لاهاي
لم تتأخر الإمارات في الرد، لكنها اختارت أن تواجه الكذب بالقانون، لا بالصوت العالي.
وفي جلسة علنية في أبريل/نيسان 2024، وقفت ريم كتيت، نائبة مساعد وزير الخارجية الإماراتي، أمام قضاة المحكمة الدولية لتفند المزاعم السودانية بثقة:
«ما تقدمه بورتسودان ليس سوى إساءة صارخة لاستخدام مؤسسة قانونية مرموقة. هذه الدعوى بلا أساس قانوني أو واقعي».
لكن الرد الإماراتي لم يتوقف عند المستوى الأخلاقي، بل ذهب أعمق:
الإمارات، عند توقيعها على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، قدّمت تحفظًا قانونيًا صريحًا يستثنيها من الخضوع التلقائي لاختصاص المحكمة في النزاعات المتعلقة بالاتفاقية.
وبهذا التحفظ، انهار الادعاء من أساسه، لأنه ببساطة بلا أرض تقف عليها.
الفصل الثالث: لاهاي تقول كلمتها
في الخامس من مايو/أيار 2025، جاء القرار الحاسم من قضاة محكمة العدل الدولية:
14 قاضيًا مقابل 2 صوتوا بأن المحكمة تفتقر إلى الاختصاص.
9 قضاة مقابل 7 أيدوا شطب القضية بالكامل من جدول أعمال المحكمة.
بهذا، تم إغلاق الملف نهائيًا، دون إمكانية لإعادة طرحه، ودون أن تنجح محاولات التسويق السياسي في كسب شرعية قانونية.
سقط الادعاء… وسقطت معه محاولات التضليل.
الفصل الرابع: الوجه الإنساني للإمارات… من الفعل إلى الأثر
في مقابل تلك الحملات السودانية، كانت الإمارات تتحرك بصمت وقوة في الميدان الإنساني:
- أنشأت جسورًا جوية لإغاثة السودانيين في مناطق الصراع.
- دعمت المساعدات الطبية والغذائية إلى ولايات منكوبة.
- استقبلت آلاف النازحين والجرحى، وقدّمت لهم العلاج والرعاية دون تمييز.
- دعت مرارًا إلى وقف إطلاق النار، والحوار الشامل، وحماية المدنيين.
- لم ترد الإمارات على الافتراءات بحملات دعائية، بل اختارت العمل الإنساني كمنصة للرد.
وما بين الصمت والإنجاز، رفضت أن تنزلق إلى مهاترات أو انحيازات مسلحة.
لأنها لا تُجيد تسويق القيم… بل تُمارسها بصدق.
الخاتمة: حين تنتصر الحقيقة بصمت الأقوياء
ما حدث في لاهاي لم يكن مجرد انتصار قانوني، بل كان انتصارًا لنهج إماراتي واضح:
- الدبلوماسية لا الضجيج.
- الإنسانية لا التورط.
- الشرعية لا التسييس.
لقد انتصرت الإمارات لأنها اختارت أن تكون جزءًا من الحل، لا وقودًا للصراع.
وفي وجه الأكاذيب، لم ترفع صوتها… بل رفعت مستواها.
وفي زمن تختلط فيه الدعاية بالحقيقة، علّمت الإمارات الجميع أن من يعمل بصمت، لا يُسكت، بل يُحترم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة