إفلاس توماس كوك كابوس مزعج يطارد 2020
"توماس كوك" أعلنت إفلاسها رسميا في أواخر سبتمبر 2019، بعد أزمة ديون مالية ومتأخرات لم تنجح في إيجاد التمويل اللازم لإنقاذ الشركة منها
لا تزال توابع العاصفة التي ضربت قطاع السياحة أوروبا عقب إفلاس "توماس كوك" البريطانية تمثل كابوسا يؤرق قطاع السياحة الأوروبي، مع تزايد مخاوف من استمرار التداعيات السلبية داخل البلدان الأوروبية لعام 2020، في الوقت الذي حدثت إضرابات في بعض شركات السياحة والسفر، منها يوفتهانزا.
وفي أواخر سبتمبر/أيلول 2019، أعلنت "توماس كوك" إفلاسها رسميا بعد أزمة ديون مالية ومتأخرات لم تنجح في إيجاد التمويل اللازم لإنقاذ الشركة منها.
سقوط بعد نحو قرنين من التحليق
توماس كوك من كبرى الشركات في قطاع السياحة في العالم، ووجهاتها الرئيسية هي جنوب أوروبا ودول البحر المتوسط، لكنها نظمت أيضا رحلات سياحية إلى آسيا وشمال أفريقيا والكاريبي.
وتأسست الشركة عام 1841، ويبلغ حجم عملياتها السنوية حاليا نحو 10 مليارات جنيه إسترليني.
وواجهت الشركة، الرائدة في مجال السفر التي انطلقت قبل 178 عاما، صعوبات سببها المنافسة من مواقع إلكترونية، كما نسبت أزمتها إلى قلق المسافرين من مسألة بريكست.
الديون المتراكمة على عملاق السياحة الأوروبي، والذي تجاوز 2.1 مليار دولار، عزز من عجزها عن مواكبة المنافسة الإلكترونية التي انتشرت مؤخراً.
ومع تراكم الديون على مدى السنوات نتيجة إبرام صفقات في أوقات خاطئة، احتاجت الشركة لبيع 3 ملايين رحلة سفر سنوياً من أجل الوفاء بمدفوعات فوائد الديون فقط.
ومع محاولة الشركة إلى الانتقال إلى جيل جديد من السياحة اصطدمت بحالة عدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا، والتي تعد واحدة من وجهاتها الرئيسية، ثم الموجة الحارة واسعة النطاق التي ضربت أوروبا في العام الماضي، ومنعت العديد من السياح من مغادرة بلادهم.
واحتاجت "توماس كوك" إلى 200 مليون إسترليني إلى جانب حزمة بقيمة 900 مليون إسترليني، والتي تمت الموافقة عليها بالفعل، وذلك حتى تستمر في العمل خلال شهور الشتاء، حيث تتلقى سيولة نقدية أقل، إلى جانب ضرورة سدادها أموالا للفنادق من أجل خدمات الصيف.
وحطم طلب الشركة لـ200 مليون إسترليني إضافية خطة الإنقاذ، الذي يتم العمل عليها منذ عدة أشهر، خلال الأشهر الماضية حاول مسؤولو توماس كوك التفاوض مع المقرضين والدائنين في لندن للتوصل إلى صفقة أخيرة لإبقاء الشركة في السوق، لكن المحاولات باءت بالفشل.
وبموجب الشروط الأصلية لخطة الإنقاذ فإن "فوسون" المساهم الأكبر سُيمنح 450 مليون جنيه إسترليني (552 مليون دولار) مقابل 75% على الأقل من أعمال تنظيم الرحلات السياحية و25% من قطاع الطيران التابع للشركة.
أما حاملو السندات والبنوك المقرضة لـ"توماس كوك" فعليها أن تدفع 450 مليون إسترليني إضافية، وأن تحول ديونهم القائمة إلى حقوق ملكية بمنحهم نحو 75% من الخطوط الجوية، وما يصل إلى 25% من مشغلي شركات الرحلات.
مصير تركة توماس كوك بعد الإفلاس
هناك عدد من السيناريوهات المستقبلية التي تنتظر ما تبقى من تركة عملاق السفر والسياحة البريطانية، حسب ما تضمنته تصريحات مسؤولين أو حملة أسهم، منها ناسيت كوكار ثاني أكبر مساهم في توماس كوك، والذي صرح عقب الإعلان الرسمي لإفلاس توماس كوك أنه سيجري بيع الشركة إما بشكل كامل أو على أجزاء بعد انهيارها.
وأضاف كوكار أنه سينظر في العروض قبل أن يتخذ قراراً بشأن شراء مزيد من الأصول في الشركة.
أما المحلل لدى مؤسسة إكس.تي.بي المالية ديفيد شيتام فيرى أن صفقة الإنقاذ على الأرجح لن تقدم إلا تأجيل أمر محتم، وهدر المزيد من المال على ما لا يمكن إصلاحه.
الصين أقرب للهيمنة على التركة
هناك مساعٍ لدى وكالة السفر الصينية فوسون للهيمنة على عملاق السياحة والسفر البريطاني خلال الفترة المقبلة، حيث تحضر الصين بقوة في مفاوضات بيع الشركة التي بدأت عقب الإفلاس، باعتبار أن فوسون هي المالك الأكبر لأسهم توماس كوك، وتستحوذ على حصة كبيرة في أنشطة السفر ووحدة الخطوط الجوية.
كانت فوسون وافقت الشهر الماضي على ضخ 450 مليون جنيه في المجموعة، ضمن صفقة إنقاذ أولية بقيمة 900 مليون جنيه.
وفي المقابل يستحوذ التكتل المدرج في بورصة هونج كونج على 75% من أسهم وحدة أنشطة السفر في توماس كوك، و25% من وحدة الخطوط الجوية، ولكن في 22 سبتمبر/أيلول 2019 رفضت فوسن إضافة 200 مليون جنيه إسترليني إلى قرض بقيمة 900 مليون جنيه إسترليني، مما عمق جراح توماس كوك ودفعها للإفلاس.
وقالت المجموعة الصينية، في بيان عقب إعلان إفلاس توماس كوك، "إن فوسون تشعر بالخيبة لعدم تمكن مجموعة توماس كوك من إيجاد حل قابل للتطبيق لإعادة التمويل المقترح مع فروع أخرى وبنوك مقرضة رئيسية وحاملي سندات وأطراف مشاركة أخرى، من بينها البنك الوطني الاسكتلندي.
فروع شمال أوروبا
اشترت مجموعة "ستروبري" المملوكة لرجل الأعمال بيتر ستوردالين من كبار الأثرياء في النرويج وشركتا "التور" ومقرها السويد، "وتي دي ار كابيتال" ومقرها لندن، شركة "فينج"، وهي فرع توماس كوك في النرويج والسويد، بالإضافة لشركات أخرى تابعة لـ"توماس كوك".
وستستحوذ "ستروبري" و"التور" على حصة 40% من توماس كوك، في حين تذهب 20% إلى "تي دي ار كابيتال".
يشمل اتفاق اليوم أيضا شركة "توماس كوك إيرلاينز اسكندنافيا" للطيران العارض (شارتر)، والتي سيتحول اسمها إلى "صن كلاس إيرلاينز".
ملياردير مصري يستحوذ على فرع ألمانيا
استحوذت مجموعة "Raiffeisen" السياحية الألمانية المملوكة لرجل الأعمال المصري سميح ساويرس على امتياز شركة توماس كوك في ألمانيا، ما يجعل الملياردير المصري واحدا من أكبر رواد صناعة السياحة في البلاد، وفق صحيفة هاندلسبلات الاقتصادية الألمانية.
كان ساويرس استحوذ على 74.9% من أسهم Raiffeisen Touristik Group، التي تتخذ من إقليم بافاريا، جنوبي ألمانيا، مقرا لها قبل 5 سنوات.
وبعد الاستحواذ تحصل المجموعة على امتياز شركة توماس كوك في ألمانيا، ما يترتب عليه انتقال المئات من وكالات السفر في عموم البلاد لملكيتها، وفق صحيفة هاندلسبلات.
كابوس الإفلاس يؤرق أوروبا
ألقى إعلان إفلاس عملاق السفر والسياحة البريطانية بظلاله السلبية على قطاع السياحة في عدد من دول العالم، ولا سيما في أوروبا، خاصة أن الشركة البريطانية تدير فنادق ومنتجعات وشركات طيران تخدم 19 مليون مسافر في السنة في 16 دولة، وحققت إيرادات قدرها 9.6 مليار جنيه إسترليني (12 مليار دولار) في 2018.
وبات 22 ألف موظف يعملون بتوماس كوك دون عمل في أنحاء العالم، بينهم 9 آلاف بريطاني.
كما خلف الإعلان حينها نحو 600 ألف سائح عالقين في مختلف أنحاء العالم، بينهم نحو 150 ألف سائح بريطاني، ما اضطر لندن لأكبر خطة طوارئ في وقت السلم كي تعيدهم إلى البلاد، ومن هؤلاء أيضا 140 ألف ألماني، و10 آلاف فرنسي، و35 ألفا من الدول الاسكندنافية و10 آلاف من هولندا وبلجيكا.
كما أعلنت السلطات القبرصية حينها أن 15 ألفا من السياح المتعاملين مع "توماس كوك" عالقون في الجزيرة، كما بلغ عدد السياح العالقين في اليونان 50 ألفا، بينهم 22 ألفا في جزيرة كريت.
ومثل إفلاس "توماس كوك" سقوطا مدويا لشركة كانت مدرجة في بورصة لندن على مؤشر "فوتسي" لأكبر 100 شركة عام 2010، وعلى مؤشر "فوتسي" لأكبر 250 شركة العام الماضي.
كما أثر خبر انهيار "توماس كوك" بالفعل على شركات السياحة، فعلى سبيل المثال صرحت شركة السياحة الأسترالية "ويب جيت" أن انهيار "توماس كوك" سيتسبب في خسائر بقيمة 30 مليون دولار لها.
كما أن شركة الرحلات الإلكترونية "أون ذا بيتش" صرحت بأنها ستعاني لمساعدة عملائها في المنتجعات الذين سافروا مع "توماس كوك" لإعادتهم إلى بلادهم.
الإفلاس يعصف بقطاع السياحة التركي
ذكر بيان لاتحاد الفندقيين في تركيا أن انهيار شركة السياحة البريطانية توماس كوك يعني أن تركيا تشهد فقدان ما بين 600 و700 ألف سائح سنويا.
ووفقا للبيان فإن هناك في الوقت الحالي 45 ألف سائح في تركيا قدموا من بريطانيا وباقي دول أوروبا من خلال توماس كوك.
وأضاف الاتحاد أن توماس كوك مدينة بما بين 100 و200 ألف جنيه إسترليني لبعض الفنادق الصغيرة، التي تعاني نتيجة الانهيار.
قال ناسيت كوكار، ثاني أكبر مساهم في توماس كوك، إن الشركة مدينة بمئات الملايين من الجنيهات الإسترليني لشركات تركية، وربما لا يجري سدادها بعد إفلاس الشركة.
aXA6IDMuMTI4LjE3MS4xOTIg جزيرة ام اند امز