كيف تعاني باكستان من الطوفان؟.. عافية سلام تجيب (مقابلة حصرية)
من خلال عيون باكستانية، نفهم أكثر عن مشاكل باكستان بالاستعانة بزميلتنا الصحفية الباكستانية عافية سلام.
تصدرت قضية باكستان طاولة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP27)؛ خاصة بعد الفيضان الأخير الذي ضرب البلاد في أغسطس/آب 2022، والذي كان بمثابة «مذبحة مناخية»، بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ هذا دفعنا للتواصل مع زميلتنا عافية سلام، وهي صحفية بيئية مستقلة من باكستان، تتابع قضية تغير المناخ من قلب الحدث على أرض باكستان، وتنقل لنا عبر عينيها ما شهدته باكستان في الآونة الأخيرة. إليكم نص الحوار.
من خلال عيناكِ، حدثينا عن معاناة باكستان من الفيضانات
حسنًا، إنّ إجابة هذا السؤال يطول شرحها؛ لكن يمكنني القول إنّ الناس من المناطق المختلفة، قد عانوا بشكل مختلف. لقد بدأت الفيضانات من الشمال، ما ألحق العديد من الأضرار، بسبب تدرج التضاريس. إضافة إلى الثورات الحاصلة في البحيرات والفيضانات الأخرى التي جرفت الطرق والجسور. وتضررت المباني والفنادق التي كانت في طريق الفيضانات، وجُرفت بعيدًا. ما سبب خسائر في البنية التحتية، إضافة إلى خسائر الأموال والأرواح، وبعض الناس جرفتهم المياه الهائجة.
وبسبب طبيعتها الجغرافية، هبطت مياه الفيضان نحو أرض باكستان التي تتسطح في الجنوب، وهو المكان الذي حصل فيه أكبر قدر من الضرر؛ خاصةً أنّ هذه الأماكن مكتظة بالسكان، للأسف غُمرت مناطق هناك بالكامل، ولم تكن هناك وسيلة لتصريف المياه.
كان هذا بسبب الأمطار الغزيرة التي لا هوادة فيها. وعلق الناس هناك في الطوفان، وارتفع منسوب المياه، وبدأت المنازل في الانهيار، واختفت المحاصيل، وتضررت المنازل. واضطر الناس للانتقال إلى المناطق البعيدة الأكثر جفافًا، والتي كانت بالمناسبة غير متاحة للجميع؛ لأنّ الفيضان كان هائلًا، وأصبحت ثُلث البلاد تحت الماء.
انتشرت الأمراض، وكان هناك نقص في المأوى، وتشرد الناس بسبب هذه الأحداث المناخية. وتأثرت الحياة المدرسية للأطفال، وكذلك الحياة اليومية لأي أسرة، واستمرت حياتهم معطلة حتى وقت قريب؛ بسبب عدم وجود تصريف مناسب للمياه الراكدة بعد الفيضان.
وقد حدثت هذه الأمطار في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2022، ما يعني أننا كنا على وشك الدخول في شهر الشتاء، الذي كانت فيه ساعات النهار أقل، وبالطبع لم يكن الوقت كافيًا ليتبخر الماء. لذلك، لم يكن معدل البخر سريعًا على الرغم من الحرارة. من ناحية أخرى، كانت ساعات النهار قصيرة، ولم يكن الصرف يعمل جيدًا.
برأيك: هل كانت الملاجئ التي أُنشئت لإيواء المتضررين فعّالة؟
إجابة هذا السؤال هي: نعم، ولا.
عندما لا يكون هناك أي شيء فوق رأسك؛ فإنّ الملاءة البلاستيكية تعمل كمأوى.
لقد كانت الخسائر هائلة، وارتفعت أعداد المتضررين، ما جعل فكرة تلبية احتياجات كل هؤلاء مستحيلة، وهنا لا أعني فقط النازحين بل أيضًا أصحاب الأماكن التي نزح إليها المتضررون.
وقد تحركت العديد من الجمعيات، وجاءت مساعدات دولية كثيرة، لكنني لا أعتقد أنّ هناك أي دولة لديها القدرة على التعامل مع هذا النوع من الكوارث بمفردها، ما جعلنا في حاجة لمساعدات دولية، وجاءت فرق التقييمات للمساعدة.
جاءت الكثير من المساعدات للمتضررين من منظمات المجتمع المدني الباكستانية، واجتمعوا معًا في مجموعات واتس آب، وقدموا كل ما في وسعهم من خلال اتصالات داخل باكستان وخارجها، وحاولوا الوصول للمناطق النائية.
نعم، لقد تطلب الأمر جهدًا هائلًا؛ لتقديم نوع من المساعدة، لكن في الحقيقة، لقد كانت المساعدة المطلوبة ضخمة جدًا؛ لأنّ المأوى ليس الشيء الوحيد المطلوب. هناك أولويات أهم مثل الطعام، إنه أول شيء يحتاجه للإنسان. وكان على الناس أن يعيشوا يومًا بيوم داخل أي مأوى جديد يُبنى لهم. لكن تفشت العديد من الأمراض والمشكلات الصحية، وما زلنا نشهد مناقشات حول نوع الملجأ الذي يجب بنائه.
كيف تعاملت باكستان مع تفشي الأمراض بعد الفيضان؟
حسنًا، لقد تفشت أمراض عديدة، كما لم يسلم البعض من لدغات الثعابين والحشرات السامة التي فقدت مسكنها، وصعدت نحو السطح، وشكلت خطرًا على الناس. من ناحية أخرى، عانى الناس من أمراض الجهاز الهضمي؛ بسبب عدم توفر مياه الشرب النظيفة، ثم ظهرت أمراض جلدية؛ لبقائهم في المياه غير النظيفة لفترة طويلة قبل وصولهم إلى أراضٍ مرتفعة. وكان من بينهم نساء حوامل، عليهن التعامل مع هذه الظروف الصعبة. لذلك، كانت هناك حاجة ملحة للمساعدات الصحية. وقد تدخلت العديد من جمعيات الإغاثة والجمعيات الخيرية، والمنظمات الدولية. لقد تدخل الجميع بكل ما تسمح به موارده.
كيف تأثر الأطفال والنساء بالأمراض ونقص الغذاء بعد الفيضان؟
دائمًا ما يتأثر الأطفال والنساء في هذه الظروف، وكان وصولهم للكثير من المرافق أكثر صعوبة؛ بسبب القيود الثقافية. لذلك، كان من الأفضل إحضار المساعدات إليهم بدلًا من ذهابهم لطلب المساعدة. وقد أُنشئت عيادات ومدارس في المخيمات، وبُذلت جهود كثيرة، لكن هذه الشرائح من السكان قد تأثرت أكثر من الآخرين.
كيف تأثرت حياة الأطفال؟
بالفعل هناك نسبة عالية جدًا من سوء التغذية، بالإضافة إلى التقزم. لذا، يمكنكِ أن تتخيلي كيف يمكن لانعدام الأمن الغذائي أن يتسبب في تفاقم الوضع الحالي.
وبخلاف ضعف القدرة على الوصول إلى الغذاء والخدمات الصحية، لدينا بالفعل الكثير من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، لكن أولئك الأطفال الذين كانوا منتظمين في المدرسة، تعطل تعليمهم تمامًاـ وعندما يكون هناك تحدٍ يومي للبقاء على قيد الحياة، يتمثل في الحصول على طعام من أجل إشباع البطن؛ فلا يكون التعليم أولوية قصوى.
لكن عندما بدأت جمعيات الإغاثة في وضع أسقف فوق رؤوس النازحين، سواء كانت ملاءة أو خيمة، بدأوا بعدها في إحياء نوع ما من التعليم، ولكن من الواضح أنه ليس تعليمًا رسميًا؛ لأنه في أوقات الكوارث مثل هذه، تكون المدارس هي أول الأماكن المتأثرة؛ إذ تتحول إلى معسكرات داخلية للنازحين؛ فتتأثر حياة الأطفال.
هل تعتقدين أن صندوق الخسائر والأضرار الذي وافقت عليه الدول في COP27 حل فعال للكوارث في باكستان؟ وهل حصلت باكستان على التمويل أم لا؟
من المؤكد أنّ الخسائر والأضرار ستكونان من الحلول الفعالة، لكن يجب أن نتذكر الاتفاقية التي توصلت إليها الدول في COP27. سوف يستغرق الأمر بضع سنوات أخرى للحصول على الآلية المالية أو الهيكل المطلوب.
وبالنسبة للتمويل؛ فلا توجد آلية للتمويل حتى الآن. إنها مجرد اتفاقية، لكن نعم، يجب أن يكون هناك صندوق خسائر وأضرار.
تحدثت إلى فتاة باكستانية تقول إنهم بحاجة إلى دعم نفسي وعاطفي.. إلى أي مدى تأثرت نفسية الباكستانيين بالفيضان؟
فيما يتعلق بالدعم العاطفي والعقلي؛ فهم جزء من الخدمات الصحية، لكن هذا الدعم يحظى بأقل اهتمام. لسوء الحظ، عندما نتحدث عن الصحة، ينظر الناس إلى الصحة البدنية، ويتجاهلون الدعم النفسي والعاطفي الذي يحتاجون إليه. وبالفعل، هناك مجموعات دعم وصلت إلى النازحين بالفن والموسيقى والألعاب، لتعزيز نفسيتهم، لكن تبقى هناك الخوف.. الخوف من الماء، وصوت الماء.. الخوف من الخروج من المنازل.. الخوف من التواجد بين الغرباء في المخيمات. كل هذا له تأثير كبير على نفسية النازحين. إنهم في حاجة إلى مزيد من الاهتمام. من ناحية أخرى، ليس لدينا الكثير من المتخصصين في الصحة النفسية في باكستان، لذلك، نعم، هذه المشاكل ينبغي الانتباه إليها.