السياسة على "تيك توك".. كل الطرق تؤدي إلى الناخب
يتجه السياسيون الألمان بشكل متزايد إلى تطبيق "تيك توك"، للتواصل مع الناخبين استعدادا لاستحقاق حاسم.
"يجب أن نكون حيث يوجد الناس" بهذه الجملة البسيطة لخص السياسي المحلي في ولاية تورينغن الألمانية، لوتتس ليبشيرز، أسباب لجوئه إلى تطبيق "تيك توك" لإيصال صوته للناخبين، في وقت تتجه فيه السياسة الألمانية إلى هذه المنصة استعدادا لانتخابات حاسمة في الخريف.
وبعد سنوات طويلة من الآن، سينظر الناس إلى الخلف ويرجعون كثيرا من التغييرات في أنماط الحياة والتواصل إلى فيروس "كورونا". فقبل هذا الفيروس وما فرضه من أسلوب حياة مقيد، لم نكن لنسمع عن مفاوضات ومساومات سياسية عبر تطبيق "واتس آب" على سبيل المثال، أو محتوى سياسي على منصة ترفيه.
ففي السابق، كانت انتخابات رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم (يمين وسط) في ألمانيا، على سبيل المثال، تعج بالسياسة والتحالفات والمساومات، وحين يصل مرشحان فقط لجولة الإعادة، تنتشر المناقشات والمساومات والمفاوضات في كل ركن من أركان القاعة؛ حتى في الردهات وركن التدخين.
لكن الوضع اختلف في الانتخابات التي أجريت السبت الماضي، فلم يكن هناك وجود لأي تواصل بشري وجها لوجه، وجرت التحالفات والمساومات عبر مكالمات الفيديو وبشكل أساسي عبر رسائل تطبيق "واتساب" وغيره من وسائل التواصل الإلكتروني.
وحتى هذه النقطة، يمكن النظر إلى هذا الأمر على أنه تطور طبيعي، وربما متوقع في ظل تقييد التواصل الاجتماعي لمحاصرة فيروس "كورونا"، لكن لجوء الساسة إلى تطبيقات عرفت بالأساس كمنصات ترفيه، هو الأمر الأكثر غرابة في زمن الجائحة.
"تيك توك" يقتحم السياسة الألمانية
في منتصف ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بث ليبشيرز المنحدر من الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط)، مقطع فيديو تبلغ مدته 40 ثانية فقط على حسابه على تطبيق "تيك توك"، ظهر فيه يشير بيده إلى غرفة كتلة حزب البديل لأجل ألمانيا (يمين متطرف) في برلمان ولاية تورينغن، وقال "هكذا يدير حزب البديل ظهره لألمانيا".
وتابع "قبل أيام، تجمع 40 شخصا محسوبين على حزب البديل بدون ارتداء أي أقنعة طبية للاحتفال بعيد الميلاد، في وقت كانت فيه الأحزاب الأخرى تجتمع لدراسة سبل مواجهة الوباء وحماية الناس".
بعدها، انتشر الفيديو بشكل كبير، حيث حقق 500 ألف مشاهدة على التطبيق، ما وصفه ليبشيرز بأنه "نجاح لا يصدق".
وفي نهاية 2019، انتخب ليبشيرز عضوا في برلمان ولاية تورينغن، لكنه ليس معروفا بالقدر الكافي في أروقة السياسة على المستوى الفيدرالي. إلا أنه يعد واحدا من 3 سياسيين ألمان لامعين في تيك توك، وتحظى صفحته على التطبيق باعجاب 176 ألف شخص.
ولا يسبق ليبشيرز في تيك توك، إلا السياسي الليبرالي الشاب فرانز مارتل، وعضو الحزب الديمقراطي الحر في البرلمان الاتحادي، توماس ساتيلبرغر.
وبدأ تطبيق تيك توك بالأساس كمنصة محاكاة لحركات الشفاه، حيث كان المستخدمون يبثون فيديوهات قصيرة لحركة أفواههم مع مقتطفات قصيرة من الأغاني. ثم تطور الأمر، وبات يستخدم في البث المباشر، والأحاديث العامة، والأخبار.
وكان 2016 عام انطلاق التطبيق، ثم تطور على مدار الأربعة أعوام الماضية، وبات يحظى بـ800 مليون مستخدم نشط حول العالم وينافس العلامات التجارية الرائدة في مجال التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر.
بل أن أكثر من ملياري شخص حول العالم قاموا بتحميل التطبيق من المتاجر الإلكترونية خلال الـ4 أعوام الماضية، بينهم 315 مليون في الربع الأول من 2020، ما يعكس الأهمية المتزايدة له، حسب مجلة دير شبيجل الألمانية (خاصة).
وفي هذا الإطار، قال ليبشيرز في تصريحات لـ"دير شبيجل": "بالتأكيد، السياسة تنتمي إلى تيك توك"، مضيفا "يجب أن نكون حيث يوجد الناس".
ووفق ردود رسمية لـ"دير شبيجل"، فإن أحزاب الديمقراطي المسيحي الحاكم، والاشتراكي الديمقراطي، والخضر (يسار)، واليسار، والديقراطي الحر (يمين وسط)، وجميعها ممثلة في البرلمان الاتحادي في ألمانيا، تشعر بفضول كبير تجاه تيك توك، لكنها لا تزال مترددة في تدشين حسابات رسمية عليه.
ويفضل الخضر في الوقت الحالي تكثيف تواجده على منصات أخرى، لكنه لا يستبعد تدشين حساب رسمي على تيك توك في المستقبل القريب، فيما يراقب الحزب الديمقراطي الحر، النشاط السياسي على التطبيق عن كثب وينظر في مخاوف متعلقة بـ"حماية البيانات"، حسب دير شبيجل.
وعلى نقيض المؤسسات الحزبية، يتزايد اهتمام السياسيين في كل أنحاء ألمانيا بـ"التطبيق"، ما يرشحه للعب دور كبير في الحياة السياسية الألمانية خلال العام الجاري الذي يشهد انتخابات محلية في عدة ولايات وانتخابات عامة في سبتمبر المقبل.
ويقول الخبير السياسي مارتن فوكس "ينشط حوالي 80 سياسيا ألمانيا على منصة تيك توك في الوقت الحالي"، مضيفا "لكن المؤسسات الحزبية غير متواجدة".
وتابع "هناك أيضا سياسيون ألمان غادروا التطبيق، حيث أغلق رئيس وزراء ولاية سارلاند "جنوب"، توبياس هانز"، حسابه على تيك توك في مايو الماضي، وسط جدل حول معايير الأمان والخصوصية فيه".
فوكس الذي يعد مستشارا لعدة جهات سياسية في مجال المحتوى الرقمي، قال لـ"دير شبيجل" أيضا: "منذ أسابيع، أتلقى اتصالات يومية من سياسيين يرغبون في معرفة جدوى الانضمام إلى تيك توك، وكيف يمكن إدارة محتوى سياسي ناجح من خلاله".
وتابع "أقول لهم بوضوح: المضمون والمحتوى الإبداعي أهم من الانتماء الحزبي على تيك توك"، مضيفا "يتحقق النجاح على تيك توك إذا لم يذكر السياسي حزبه بشكل متكرر".
ويختلف تيك توك عن منصات أخرى مثل يوتيوب وانستغرام التي يحتاج صانع المحتوى فيها لوقت طويل للوصول لجمهور كبير، فالتطبيق المملوك لشركة صينية يمكن صاحب المحتوى من الوصول إلى جمهور بالملايين بين عشية وضحاها.
aXA6IDMuMTQwLjE4NS4xOTQg جزيرة ام اند امز