قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
لقد تذكرت هذه الآية القرآنية الكريمة، وأنا أتابع اللقاءات الحوارية التي جمعت الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين مع أصحاب الديانات السماوية في الوطن العربي والعالم، وأحدثها المؤتمر الذي نظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين الأسبوع الماضي تحت عنوان "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"، والذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة، فمصر والقاهرة هما تاريخيا ًمكانان متميزان في التسامح والتعايش الديني كحال الكثير من عواصمنا العربية والإسلامية.
السؤال الذي يجب أن يطرحه كل منا على نفسه قبل أن يطرحه على الآخرين، أنا مؤمن بالتسامح والتعايش الديني والسلام بين شعوب العالم؟! فماذا يمكنني أن أفعل لأسهم في تحقيق هذا الهدف الإنساني السامي؟!
وشارك في هذا المؤتمر الحواري نخبة من رجال الدين الإسلامي والمسيحي والمفكرين والشخصيات، وصدر عن هذا المؤتمر "إعلان الأزهر للعيش الإسلامي المسيحي المشترك"، والذي كان موجها إلى الشعوب وصناع القرار والقادة في الدول العربية والإسلامية والأجنبية، بدعوتهم إلى التسامح والتعايش الديني في ظل الحرية والمواطنة والتنوع والتكامل.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل إنسان على نفسه قبل أن يطرحه على غيره، هل التسامح والتعايش الديني في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي والعالم ممكن؟! نعم أم لا؟!
صحيح أن عدداً من الدول في العالم تشهد حالياً خلافات أو صراعات بين أتباع الديانات السماوية، مما شكل فرصة ذهبية للأنظمة المتطرفة والجماعات الإرهابية لنشر التعصب الطائفي والكراهية والعنف، ومما تسبب بسقوط العديد من الضحايا الأبرياء من أطفال ونساء وكبار سن ورجال، وتسبب بتدمير قرى ومدن ومنشآت حيوية ومعالم حضارية.
ولكن هذه الصورة السوداء لوضع التسامح والتعايش الديني في عدد من دول العالم، لا يجب أن تكون صورة محبطة لنا، بل يجب على العكس أن تدفع كل واحد منا وكل نظام ومؤسسة في المجتمع الإنساني إلى الإيمان بأننا جميعاً مواطنون متساوون في أوطاننا، وبشر متساوون على الكرة الأرضية في الحقوق كما في الواجبات، مهما تنوعت مذاهبنا وطوائفنا وأدياننا ولغاتنا ومستوياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأن التنوع هنا أمر إيجابي وثروة وغنى وتكامل، وليس أمراً سلبياً وفرقة ونقصاً وتعارضاً.
وتحضرني في هذا المجال أقوال قيمة ومعبرة لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس "مجلس حكماء المسلمين"، إذ قال فضيلته: "لا مفر لنا في ظل أنظمة الحكم المعاصرة من أن نعمل على ترسيخ فقه المواطنة في عقول المسلمين وثقافاتهم، فهو السد المنيع أمام الذرائع الاستعمارية التي دأبت على توظيف الأقليات في الصراعات السياسية وأطماع الهيمنة والتوسُّع، وجعلت من مسألة الأقليَّات رأس حربة في التجزئة والتفتيت اللذين يعتمد عليهما الاستعمار الجديد".
كما قال فضيلته إن: "المفهوم الحقيقي للمواطنة لا يتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب، فالكل متساوون في الحقوق والواجبات، والجميع سواسية أمام القانون في الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن الوطن ويتحملوا المسؤولية الكاملة".
وقد وضع فضيلة الإمام الأكبر، وكما يقال الأصبع على الجرح، بل وأشار إلى كيفية علاج هذا الجرح النازف في جسد الإنسانية، فالخلافات والصراعات الدينية يبدأ حلها بفقه المواطنة أي بالمواطنة الحقيقية، بحيث يؤمن ويعمل كل مواطن في أي دولة، ومهما كان جنسه وعرقه ودينه، بمبادئ التسامح والتعايش الديني والوحدة الوطنية والتضامن العالمي، ويلتزم بالحوار المباشر والعقلاني والحضاري سبيلاً لإيجاد حلول سلمية لأي خلاف أو صراع ديني أو طائفي، وينضم بحسب إمكاناته وقدراته وظروفه إلى النضال المشترك في سبيل القضاء على الأنظمة المتطرفة والجماعات الإرهابية ووقف النزف اليومي بالبشر والحجر في مختلف أنحاء العالم.
وأذكر في هذا المجال مقولة قيمة ومعبرة لفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، حيث أشار فضيلته إلى أن "حالة الاحتراب والتشرذم والاضطراب في الأمة لا تسمح لها أن تصبح شريكاً في صنع القرار في ظل الصراعات الداخلية التي تمزقها، وفي ظل الواقع الذي أصبحت فيه لعبة الموت أمراً معتاداً، وصار فيه تنازع البقاء المفني هدفاً لدى الكثير من أبنائها، وأن الفرص التي يمنحها السلم أكثر من الفرص التي تمنحها الحروب التي لا تنتج إلا الفناء".
وبالتأكيد، وكما أشار فضيلة العلامة بن بيه، فإن الهدف الإنساني السامي في التسامح والتعايش الديني والسلام بين شعوب الأرض، لا بد له بداية من حوارات يشارك فيها رجال الدين والمفكرون والشخصيات وصناع القرار والقادة من أتباع الديانات السماوية في لقاءات ومؤتمرات محلية ودولية، تشدد على التسامح والتعايش الديني بين مُواطني الدولة الواحدة، ثم بين مُواطني الدول الشقيقة فالصديقة، مما يعزز السلم والأمن الإقليمي والدولي، مع التركيز، من خلال المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت والكتب والمنشورات، على تربية الأجيال والمجتمعات على ثقافة التسامح والتعايش الديني واحترام حرية الآخَر في الاعتقاد الديني وممارسة الشعائر الدينية، الأمر الذي يحصن الفرد والمجتمع من التطرُّف والتعصب والعُنف والارهاب، ويسهم في حل النزاعات والصراعات بالطرق السلمية وليس بطريقة الحرب والقتل والتدمير.
وبعد كل هذا، فإن السؤال الذي يجب أن يطرحه كل منا على نفسه قبل أن يطرحه على الآخرين، أنا مؤمن بالتسامح والتعايش الديني والسلام بين شعوب العالم؟! فماذا يمكنني أن أفعل لأسهم في تحقيق هذا الهدف الإنساني السامي؟!
والجواب يكون ابدأ واقرن الإيمان بالعمل من خلال المؤسسات المعنية المحلية والعربية والإسلامية والدولية بحسب قدراتك وإمكاناتك وظروفك، والله سبحانه وتعالى هو الموفق..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة