مما لا شك فيه أن التسامح قيمة متأصلة في الدولة الإماراتية، غرسها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه.
حتى أصبحت الدولة اليوم بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نموذجاً في تطبيق قيم التعايش والحوار والتسامح الذي يعد أحد الركائز الأساسية للمبادئ العشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخمسين عاماً المقبلة.
من جانب آخر يشكل تطبيق روح القانون حجر الأساس للمجتمعات التي تسودها مبادئ العدل والسلم واحتضان الجميع. ويعرف تطبيق روح القانون بأنه تخفيف العقوبة، أو النزول بها إلى حدها الأدنى، أو إيقافها حسبما يقتضيه القانون، بالنظر إلى ظروف المخالف للقانون والظروف المحيطة بالمخالفة.
وتعتبر الإمارات نموذجاً في التسامح بتطبيق روح القانون، فعلى سبيل المثال أعلنت الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ تمديد مهلة تصحيح أوضاع المخالفين لمدة شهرين على أن تنتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024. وذلك بعد أن كانت قد أعلنت في الأول من أغسطس/آب قراراً بمنح مهلة لمخالفي نظام الإقامة لتسوية أوضاعهم ابتداء من الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2024 ولمدة شهرين، مع إعفائهم من الغرامات المالية المترتبة عليهم وفقاً لنصوص القانون الاتحادي بشأن دخول وإقامة الأجانب.
إن قرار تمديد المهلة يأتي استجابة لمناشدات وتطلعات المخالفين الذين يرغبون في تسوية أوضاعهم بمغادرة الدولة أو الحصول على عقد عمل والبقاء في الدولة. كما يتزامن القرار مع قرب احتفالات دولة الإمارات بعيد اتحادها الـ53 وتجسيدًا لقيم التسامح والتعايش والحوار التي رسختها الدولة في جميع مؤسساتها.
وتجدر الإشارة إلى أن 88% من المخالفين ممن تقدموا بطلبات تعديل أوضاعهم خلال الأسبوع الأول من المهلة استمروا بالبقاء والعمل في الدولة، بينما بلغت نسبة المخالفين الذين تقدموا بطلبات بمغادرة الدولة 12%.
بتطبيق روح القانون تمكنت الدولة من مساعدة المخالفين من تصحيح أوضاعهم والحصول على فرصة المغادرة بأمان ودون منع من دخول الدولة فيما بعد أو على فرصة عمل جديدة والبقاء في الدولة. وكان لذلك القرار مردود إنساني رائع مثل لمّ شمل الأسر بعد غياب لسنوات طويلة، إضافة إلى الاستقرار والعمل والعيش في إطار من احترام القانون، مما يؤكد مدى أهمية الجانب القانوني والاجتماعي والإنساني لهذه المبادرة.
وتهدف مبادرة الهيئة إلى منح المخالفين فرصة جديدة لتعديل أوضاعهم بما يتوافق مع القانون ومراعاة لظروفهم، وذلك انطلاقاً من قيم الرحمة والتسامح التي تأسست عليها دولة الإمارات.
ولا تمثل هذه المبادرة الاستثناء، ولكنها تمثل سياسة الدولة الراسخة بتطبيق التسامح بالأخذ بالاعتبار روح القانون. مبادرة أخرى تؤكد ذلك، وهي مبادرة تسهيل الإفراج عن السيارات التي تم تركها في ورش الصيانة لعدم القدرة على سداد الغرامات والمبالغ المستحقة عنها والتي تم إطلاقها في العام الذي خصصته الدولة للتسامح، عام 2019.
كما لا تترد الدولة بتكريم الشخصيات العالمية التي تطبق التسامح بالأخذ بالاعتبار روح القانون، فعلى سبيل المثال استضافت النسخة الـ12 من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي القاضي الأمريكي الشهير فرانك كابريو رئيس القضاة السابق بمحكمة بولاية رود آيلاند بالولايات المتحدة الأمريكية والملقب بـ"القاضي الرحيم" الذي شارك بكلمة افتتاحية في اليوم الأول من المنتدى، كما تم تكريمه في حفل جائزة الشارقة للاتصال الحكومي في ختام فعاليات اليوم الثاني عام 2023.
ومما لا شك فيه أن تعزيز سيادة القانون من خلال تعزيز فهم وتطبيق روح القانون وحقوق الإنسان وفقا لدستور الدولة وقوانينها وطبقاً للمبادئ التي أقرتها المواثيق الدولية يعزز مكانة الإمارة كوجهة عالمية لجذب المواهب والكفاءات البشرية ويرسخ جاذبية الدولة كوجهة للعيش والعمل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة