في عام التسامح.. أتطلع إلى إصدار طوابع بريدية تذكارية، تحمل صورا لمعالم ومواقع حديثة وقديمة، ولصرح زايد المؤسس
لا أذكر أنني كنت يوماً من هواة جمع الطوابع البريدية، إلا أنني في صغري كانت بعض الطوابع الملصقة على الرسائل البريدية تثير اهتمامي، خاصة تلك التي تجسد حدثاً تاريخياً أو لوحة فنية أو زعيماً شعبياً، فأبادر أحياناً بالاحتفاظ بها لفترة وجيزة.
في عام التسامح.. أتطلع إلى إصدار طوابع بريدية تذكارية تحمل صوراً لمعالم ومواقع حديثة وقديمة ولصرح زايد المؤسس، ولبرواز دبي، ولذكرى إصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية» ولطوابع تحمل صوراً للوحات فنية رسمها فنانون إماراتيون
أتذكر طوابع بريدية مصرية تحمل لوحة فنية لفلاح مصري بيده فأس وخلفه أشجار نخيل ومنازل ريفية، وأخرى لفلاحة مليحة تحمل غصناً لنبات القطن المصري، وطوابع تحتفي بذكرى أدباء وفنانين رحلوا إلى دار البقاء، ومعالم مصرية حديثة وفرعونية، وطوابع تحمل صوراً لمساجد وآثار، وأخرى تسجل أحداثاً مشهودة، وصوراً لسلاطين وباشوات، وآخر ملوك مصر الملك فاروق، الذي جاءت صورته لتحاكي صورة (موناليزا)، وليشعر الرائي أن عيني آخر ملوك مصر تنظران إليه من كل الزوايا.
وتذكر الوثائق أن أول طابع بريدي صدر في بريطانيا قبيل منتصف القرن التاسع عشر، ويحمل صورة الملكة فيكتوريا، ومنها انطلقت صناعة طوابع البريد، بعد أن كانت رسائل البريد ترسل بدون طوابع.
وشكلت الطوابع البريدية مصدراً مهماً لتوثيق حيّ للتاريخ، بما تحمله من صور لشخصيات بارزة، وعلامات فارقة في تاريخ الأمم، ورموزها وفنونها وطرز حياتها، وبما تجسده من صور ونقوش وأدوات وأنماط معمار ولحظات انتصار أو ابتكار، وكلها تشكل خيوطاً تُحاك منها ذاكرة البشر.
أهداني قبل شهور صديق عزيز مجلداً ضخماً يضم مجموعة غنية ونادرة من طوابع بريدية، جمعها باحث فلسطيني مجتهد، هو (نادر أو الجبين) وجسدها في مجلد سماه (تاريخ فلسطين في طوابع البريد) من إصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
تأملت فيها كثيراً، ودهشت من قدرة طوابع البريد على التعبير بصمت عن تاريخ القضية الفلسطينية، وبشكل تتضاءل أمامه الخطب الرنانة والشعارات الرتيبة.
وقد أنعشت قضية الطوابع البريدية في ذاكرتي زيارتي الأخير إلى «دارة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي» وإطلاعي على مجموعة كبيرة من طوابع بريد الشارقة، خاصة في مرحلة ما قبل قيام الاتحاد، وتمنيت إثر انتهاء الزيارة أن تتحول بعض اللوحات التي رسمها الفنان الألماني (كريستوف) ونشرها معهد الشارقة للتراث في كتاب (ذاكرة الشارقة ومدن أخرى) إلى طوابع بريدية، وهي لوحات فنية مكتنزة بجماليات أمكنة إماراتية وبروحها العبقة، وتسافر بنا إلى ماضٍ قريب.
وتسجل أنماط معمار، وسفناً، وبيوت صيادين وآثار مساجد، وأسواقاً قديمة وحصوناً عتيقة، ومشاهد وملامح بيئات بحرية وبرية وجبلية، وقد نجح الفنان الألماني في رسمها بشكل متقن.
في عام التسامح.. أتطلع إلى إصدار طوابع بريدية تذكارية تحمل صوراً لمعالم ومواقع حديثة وقديمة ولصرح زايد المؤسس، ولبرواز دبي، ولذكرى إصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية» ولطوابع تحمل صوراً للوحات فنية رسمها فنانون إماراتيون، «ولواحة الكرامة»، ونصب الشهيد، والنصب التذكاري لمقاومة خورفكان للغزو البرتغالي، وهناك الكثير مما يمكن تسجيله في الذاكرة التاريخية للأجيال القادمة.. وتوثيق حقبات مهمة
. وتكريم شخصيات تاريخية تركت بصماتها الإيجابية في حياتنا عطاء وإبداعاً وأعمالاً إنسانية.
ومن الأعمال الفنية التي تعرفت عليها في مرحلة الصبا من خلال طوابع البريد لوحة (موناليزا) للفنان الإيطالي العبقري (ليوناردو دافنشي)، وقد أثارت هذه اللوحة، منذ أكثر من خمسة قرون، اهتمام عشاق الفن، وكانت موضوعاً للعديد من الدراسات العلمية طوال هذه القرون.
وقد تنقلت اللوحة الأصلية بين غرف نوم عدد من ملوك فرنسا، بدءاً من (فرنسيس الأول) لتنتهي وتستقر بشكل نهائي في متحف «اللوفر» بباريس.
أتذكر أنني وقفت أمام هذه اللوحة طويلاً، في أول زيارة لي إلى باريس في منتصف السبعينيات، أتأمل ذلك الغموض الرائع الموحي في هذه اللوحة، التي تعتبر أكثر الأعمال الفنية شهرة في تاريخ الفن.
من منا لم يشاهد هذه اللوحة، سواء في متحفها الأصلي، أو مقلدة في ساحات حي (مونمارتر) الباريسي، وأزقته الضيقة، أو على الجسور القريبة من برج (إيفل)، أو في مرسم فنان يلح عليك ليرسمك بطريقة كاريكاتورية؟
في كل الأحوال، يبدو أن هذا العمل الفني العظيم يترك أشياء كثيرة لخيالنا وعواطفنا، ويذكر مؤلف كتاب (قصة الفن) -الذي أصدرته مؤخراً هيئة البحرين للثقافة والآثار- أن لوحة (دافنشي) هذه تترك أشياء غامضة في خيالنا، وأن (دافنشي) استخدم في لوحته حيلة تقنية تظهر أن (ليزا) تغير وجهها مع تغير الموقع الذي نشاهدها منه، وهذا يعود إلى أن جانبي الوجه غير متناظرين، وكذلك الأمر بالنسبة لجانبي المنظر الطبيعي المتخيل في خلفية اللوحة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة