من خلف الكواليس.. توني بلير يُعيد رسم سياسات الذكاء الاصطناعي في بريطانيا

كشفت وثائق رسمية عن دور مثير للجدل من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ونائب رئيس الوزراء السابق نِك كليغ، حيث نظّم الرجلان عشاءً خاصاً جمع كبار رواد صناعة التكنولوجيا مع وزيرة الاستثمار البريطانية، بوبّي غوستافسون.
الحدث، الذي أقيم خلف الأبواب المغلقة في أحد فنادق لندن الفاخرة، يسلّط الضوء على الدور المتصاعد الذي تلعبه مؤسسة بلير الاستشارية في التأثير على سياسات الحكومة، لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي. وبينما تروّج المؤسسة لرؤية طموحة تضع التقنية في قلب القطاع العام، يثير هذا التقارب بين صانعي القرار والقطاع الخاص تساؤلات حول الشفافية، وتضارب المصالح، والحدود الفاصلة بين تقديم المشورة وصناعة السياسات.
وفي التفاصيل، كشف تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أن العشاء، الذي أُقيم في يناير/كانون الثاني الماضي داخل فندق كورينثيا ذي الخمس نجوم، جمع ستة من كبار مسؤولي الشركات التكنولوجية، من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة Faculty AI، مارك وارنر، والرئيس التنفيذي لشركة Wayve المتخصصة في السيارات ذاتية القيادة، أليكس كيندال، إلى جانب ممثلين عن شركات رأس مال استثماري وتقنيات أشباه الموصلات.
ورغم أن المنظمين أكدوا أن الشركات لم تدفع لحضور المناسبة، أثار الحدث تساؤلات بشأن العلاقة غير المعلنة بين الحكومة البريطانية وبعض الفاعلين المؤثرين في وادي السيليكون، خصوصًا مع المعلومات التي تفيد بأن معهد بلير تلقى تبرعات ضخمة تُقدّر بأكثر من 300 مليون دولار من الملياردير الأمريكي لاري إليسون، المعروف بصلاته الوثيقة بكل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير الأغنى عالمياً إيلون ماسك.
وتتجاوز دلالات هذا اللقاء طبيعته الاجتماعية، إذ تُظهر الوثائق الرسمية التي حصلت عليها الغارديان بموجب قوانين حرية المعلومات، أن الحكومة البريطانية كانت قد زودت المعهد بملخص سري لخطة العمل الخاصة بالذكاء الاصطناعي، قبل أيام فقط من إعلانها رسميًا. ويبدو أن هذه الثقة الحكومية الكبيرة بالمعهد مكّنت الأخير من التأثير في محتوى السياسات، بل والمشاركة في الترويج لها عند إصدارها.
معهد بلير
يُذكر أن معهد بلير، الذي يضم أكثر من 900 موظف وينشط في 45 دولة، يقدم نفسه كمؤسسة استشارية ذات طابع فكري تعمل على إصلاح أنظمة الحوكمة ودعم التحول الرقمي في المؤسسات العامة. غير أن انتقادات متكررة وُجهت له بسبب اعتماد بعض سياساته على توجهات الممولين.
ويُعد بلير من أبرز المدافعين عن دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة الخدمات العامة، وهو يرى فيه فرصة لـ"إعادة ابتكار الدولة". إلا أن منتقديه يحذرون من أن هذه الرؤية، حين تُصاغ داخل غرف مغلقة وبحضور مصالح خاصة، قد تتحول من أداة تطوير إلى وسيلة لتكريس النفوذ في السياسات العامة بعيدًا عن الرقابة والشفافية.
وعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة العلوم والتكنولوجيا أكد أن مشاركة الملخصات مع أصحاب المصلحة هو "إجراء شائع"، إلا أن هذا النهج يُبرز إشكالية أعمق تتعلق بمن يُمنح حق الوصول المبكر إلى سياسات تؤثر على مستقبل الاقتصاد البريطاني. ومن جانبها، دافعت TBI عن موقفها بالقول إن مشاركتها في إعداد خطة الذكاء الاصطناعي استندت إلى أبحاث منشورة لها، وقد تم الإشارة إليها بوضوح في وثائق الخطة.
وفي ظل التداخل المتزايد بين السياسة والتكنولوجيا والاستشارات الخاصة، يعكس هذا العشاء مدى تأثير القوى غير الرسمية في رسم السياسات الوطنية -ويفتح الباب واسعًا للنقاش حول الشفافية، وتوازن المصالح، ومستقبل الحوكمة في عصر الذكاء الاصطناعي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز