خطا السودانيون خطوة مهمة إلى الأمام ولا يزال أمامهم الكثير ليفعلوه، فقبل كل شيء يتعين إزالة كل مسببات الشك والريبة بين الأطراف المختلفة
تكفي الأعداد الهائلة للجماهير التي احتشدت في شوارع الخرطوم، وغيرها من مدن السودان، للاستدلال على أهمية الاتفاق الذي وقع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الذي ينظم أمور المرحلة الانتقالية للعبور بالبلاد نحو دولة مدنية، بعد عقود مستمرة من الديكتاتورية في صورها كافة، فأبناء السودان وبناته بحسّهم العفوي أدركوا أهمية هذه الخطوة، رغم كل التحفظات التي أثيرت، أو تثار على بنود الاتفاق.
خطا السودانيون خطوة مهمة إلى الأمام، ولا يزال أمامهم الكثير ليفعلوه، فقبل كل شيء يتعين إزالة كل مسببات الشك والريبة بين الأطراف المختلفة، وكذلك استيعاب المتحفظين على الاتفاق في الآليات التالية لتنفيذه، وضمان نجاحه.
ليس متوقعاً من الاتفاق، حتى في حال التقيّد بكل بنوده من جميع الأطراف، أن يحل مشاكل السودان المتراكمة بين عشية وضحاها، وليس مطلوباً منه ذلك على أية حال، ولكنه يرسي قواعد للانتقال بالبلد نحو مرحلة جديدة، يتم خلالها التغلب على التركة الثقيلة لنظام عمر البشير، ويفتح آفاق التطور نحو دولة ديمقراطية ومدنية بحق، وهو مطلب ضحّى السودانيون في سبيله بالكثير، وما التضحيات الغالية التي قدموها في انتفاضتهم الأخيرة التي أطاحت برأس النظام الإسلاموي الفاسد إلا جزء من تضحيات أجيال سابقة.
ومعلوم أن بعض القوى السياسية ممن لعبت دوراً مشهوداً في الانتفاضة الأخيرة، وكذلك بعض الجماعات المسلحة، لم توقع على الاتفاق لأسباب مختلفة، كما أن بعض الموقعين عليه من المعارضة أكدوا أنه ليس اتفاقاً مثالياً، وطالبوا بالمزيد من تدابير الثقة بين أطرافه، لكن هناك رأي مستقر بأن هذا الاتفاق يعكس تناسب القوى في اللحظة الراهنة في البلاد، ويشكل انتصاراً لإرادة الشعب السوداني في التغيير.
لقد أظهر الشعب السوداني وقواه السياسية وعياً ونضجاً سياسيين مقدرين، ورغم المحاولات المشبوهة للدفع بالبلاد نحو حمامات دم لا نهاية لها، تمسك السودانيون بسلمية تحركهم، من دون التخلي عن إصرارهم بكشف الحقيقة حول المجازر التي ارتكبت ضد المحتجين السلميين، وإنزال العقاب الصارم بمن أعطى أوامر القتل، وبذا أصبحت ثورة السودان نموذجاً عربياً فارقاً مقارنة بالنسخ التي عرفناها في موجة ما أطلق عليه «الربيع العربي».
خطا السودانيون خطوة مهمة إلى الأمام، ولا يزال أمامهم الكثير ليفعلوه، فقبل كل شيء يتعين إزالة كل مسببات الشك والريبة بين الأطراف المختلفة، وكذلك استيعاب المتحفظين على الاتفاق في الآليات التالية لتنفيذه، وضمان نجاحه.
سعيدة خليفة، امرأة سودانية قطعت بالقطار رحلة طويلة من بلدتها عطبرة التي شهدت بداية الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتكون حاضرة في الخرطوم لحظة التوقيع على الاتفاق، بدت في تصريحها لوسائل الإعلام كما لو كانت لسان حال الملايين من أبناء شعبها حين قالت: «يجب أن تصمت البنادق».
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة