الوساطة الأفريقية في إثيوبيا.. تحديات وفرص إنهاء الصراع
يحاول مبعوث الاتحاد الأفريقي الخاص للقرن الأفريقي الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، مسابقة الزمن لإنهاء الصراع في إثيوبيا.
وتأتي هذه الجهود بعد التطورات المتسارعة للصراع الإثيوبي الدائر بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تجراي التي يصنفها البرلمان بأنها إرهابية.
وتصاعدت الأحداث في الحرب الدائرة بين طرفي الصراع الإثيوبي، بعد أن نقلت جبهة تحرير تجراي المعارك إلى إقليمي عفار وأمهرة، لتطلق الحكومة حملة عسكرية في أكتوبر الماضي لمواجهة توسع الجبهة في الحرب واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها.
غير أن سيطرة الجبهة لثلاث مدن استراتيجية في إقليم أمهرة وهي: ديسي، وكومبلشا، وخميسي، شكلت تحولا خطيرا في الصراع بعد دخول الحرب إلى العمق.
ويحظى المبعوث الأفريقي بدعم من المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي، بعد أن فشلت الوساطات الغربية والأمريكية نتيجة الخلاف بينها والحكومة الفيدرالية الإثيوبية التي تعتبرهم غير محايدين في الصراع.
بل ذهب الكثير من الإثيوبيين باتهام الغرب والولايات المتحدة بدعم المتمردين ضد الحكومة الفيدرالية.
وبعد جلسة لمجلس الأمن الدولي التي قدم فيها الوسيط الأفريقي أوباسانجو، تقريره ونتائج لقاءاته مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وقادة جبهة تحرير تجراي في مقلي، سارع إلى الذهاب لإقليمي أمهرة وعفار المتأثرين بالصراع بعد تمدد الجبهة نحوهما، حيث سيلتقي بحكام الإقليمين لبحث فرص الجلوس للحوار ووقف الاقتتال.
وكان أوباسانجو، قد حذر من نفاد الوقت، وقال إن الفرص المتاحة لوقف الاقتتال بين طرفي الصراع الإثيوبي ضئيلة، لكنه سيبذل جهودا لاحتواء الصراع.
ويأتي ذلك في وقت مازالت تدعو فيه بعض السفارات والبعثات الأجنبية وأبرزها الولايات المتحدة وبعض المنظمات، رعاياها وموظفيها لمغادرة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على خلفيه أنباء عن تقدم جبهة تحرير تجراي نحو العاصمة.
فيما اعتبرت الحكومة الإثيوبية الخطوة بأنها في إطار حملة إعلامية ودبلوماسية مضللة جزء من الصراع، هدفها خلق حالة من الذعر الكاذبة وسط الشعب والمجتمع وقلب الحقائق.
مبادرة الوسيط الأفريقي
وتتضمن المبادرة التي يقودها الوسيط الأفريقي الرئيس النيجيري الأسبق أوباسانجو، حشد دعم المجتمع الدولي للوساطة الأفريقية، وحث وتشجيع طرفي الصراع الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تجراي على الانخراط في حوار سياسي دون أي شروط مسبقة؛ ووقف شامل وفوري وغير مشروط لإطلاق النار والأعمال العدائية من قبل جميع الأطراف.
كما تتضمن المبادرة أهمية ضمان وصول المساعدات الإنسانية على الفور ودون عوائق للمتأثرين من الصراع في مختلف المناطق؛ وضمان الاحترام والامتثال للقوانين الإنسانية الدولية وقوانين حقوق الإنسان؛ فضلا عن الدعوة إلى بدء فوري لحوار ومصالحة وطنية شاملة.
أبرز التحديات
تشير المعطيات الراهنة بشأن الصراع الجاري ميدانيا بأن جهود الوساطة الأفريقية، ستصطدم بتحديات كبيرة نظرا للحشود العسكرية الضخمة التي أعدتها الحكومة الفيدرالية والإقليمية بأمهرة لاستعادة الأراضي التي دخلتها الجبهة في إقليم أمهرة، وهو ما يشير إلى أنه لا رجعة لحكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية من هذه المواجهات وإخراج الجبهة من كامل إقليم أمهرة ووقف تقدمها وإن دعا ذلك بدفع كل أشكال التضحيات.
فقد حشد إقليم أمهرة مئات الآلاف من المليشيات والمتطوعين ونقلهم إلى جبهات القتال لمواجهة جبهة تحرير تجراي، وإخراجها من الأراضي والمدن التي دخلتها في ظل مخاوف من حدوث حرب شعبية بين الإقليمين.
يأتي ذلك بعد أن اتهم إقليم أمهرة جبهة تحرير تجراي بدفع عدوانها إلى مواجهة شعبية، متعهدا بأنه سيدفع بمواجهات شعبية مماثلة للتصدي لها، الأمر الذي ستصطدم به الوساطة الأفريقية.
موقف جبهة تحرير تجراي
في المقابل تحشد جبهة تحرير تجراي التي تصنفها الحكومة الإثيوبية بالإرهابية، مئات الآلاف من المجندين من كافة فئات العمر، في حربا تعتبرها وجودية بالنسبة لها.
بل أنها تعلن مرارا بأن هدفها من هذه الحرب إسقاط حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي بالقوة، من أجل ما تعتبره ضمان عدم وجود خطرا على إقليم تجراي من أديس أبابا.
ولتحقيق هذا الأمر تحالفت الجبهة مع جماعة "أونق شني" التي يصنفها هي الأخرى البرلمان الإثيوبي إرهابية، قبل أن تصل إلى مدن "ديسي وكومبلشا وخميسي الاستراتيجية، معلنة أنها ستواصل الزحف نحو العاصمة مع أونق شني، على الرغم من أنها مهمة ليست بالسهلة في مواجهة الدولة الإثيوبية.
فرص نجاح الوساطة الأفريقية
ويرى العديد من المتابعين والخبراء أن فرص الوسيط الأفريقي في مهمته لإنهاء الاقتتال الجاري وحل الأزمة عبر الحوار، ضئيلة جدا، في ظل المعطيات الميدانية، التي مازال تشهد معارك مستمرة على عدة جبهات في إقليمي أمهرة وعفار.
ويرى نورالدين عبدا رئيس تحرير موقع نيلوتيك بوست الإعلامي، أن الجهود الأفريقية تمكنت من إحداث اختراق طفيف في المواقف المتشددة لأطراف النزاع، بعد أن التقى طرفي الصراع بالمبعوث الأفريقي وطرح وجهات نظرهم.
وقال عبدا في حديث لـ"العين الإخبارية" إنه يعتبر لقاءات المبعوث الأفريقي برئيس الوزراء الإثيوبي وقادة جبهة تحرير تجراي كل على حدة، بأنه يمثل اختراقا في المواقف المتشددة التي كانت سائدة خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن إقرار أطراف النزاع للوسيط الأفريقي بأن الصراع أصله سياسي ويجب حله عبر الحوار والتفاوض، يعطي فرصا لنجاح الوساطة الأفريقية التي يجب دعمها من الأطراف الفاعلة والمجتمع الدولي لإنجاحها.
واستدرك عبدا قائلا "مازالت هناك مخاطر من انسداد الأفق لا سيما مع التطورات الميدانية وقيام الأطراف المتشددة بالتحشيد والتحشيد المضاد.
في المقابل يرى، دوايت كبدي المهتم بالشأن الأثيوبي، أن الوساطة الأفريقية تأخرت كثيرا مقارنة بالوضع الذي وصلت إليه الأزمة التي تطورت وخرجت من الإقليم الواحد إلى أكثر من إقليمين وهما عفار وأمهرة.
وأضاف في حديث مع "العين الإخبارية"، أن الوضع الراهن لا يساعد الوساطة الأفريقية المتأخرة، نظرا للتطورات الميدانية في المعارك الدائرة الآن في مناطق تمثل عمقا لإقليم أمهرة.
وأضاف كبدي أن "المؤشرات الظاهرة بأن حكومة إقليم أمهرة لن تتراجع عن استعادة الأراضي والمدن التي دخلتها جبهة تحرير تجراي، مهما كلف ذلك من أثمان باهظة".
وأوضح أن الحكومة الفيدرالية، وإن قبلت الوساطة الأفريقية ووقف إطلاق النار قبل إخراج جبهة تحرير تجراي، فإنه سيدخلها في مواجهة مع شعب إقليم أمهرة الذي لن يقبل بأي حوار وتفاوض قبل خروج جبهة تحرير تجراي من كامل أراضي الإقليم.
مواقف طرفي الصراع
الحكومة الإثيوبية رحبت بوساطة الاتحاد الأفريقي لإنهاء الصراع الدائر والمتصاعد مع جبهة تحرير تجراي.
وقال وزير الدولة بالخارجية الإثيوبية السفير رضوان حسين، إن الحكومة الإثيوبية قبلت وساطة الاتحاد الأفريقي التي يقودها الرئيس النيجيري الأسبق، منذ بدء الصراع قدم لنا عدة وساطات طلبوا الذهاب لمقلي لكن الحكومة لم تسمح لهم ولم نقبل تلك الوساطات .
وتابع حسين، أن ما يميز وساطة الرئيس النيجيري الأسبق أنه استطلع كل الجهات ذات الصلة والأطراف، وكذلك دول الجوار والأطراف الدولية.
وتابع "نعتقد أن أي وساطة لابد أن تكون أولا ملمة بكامل القضية وأطرافها وهو ما سيمكن الوسيط الأفريقي من لعب دوره".
وأضاف "لذلك تم تسهيل مهمته في لقاء قادة الجبهة في إقليم تجراي بالسماح له لزيارة مقلي حاضرة الإقليم ولقاء قادة ومن يراهم سيسهمون في عملية الوساطة".
أما فيما يتعلق بموقف جبهة تحرير تجراي، فإنها لم تعلن عنه رسميا حتى الآن.
غير أنها فقط أشارت إلى إجراء مناقشات "مثمرة" بين زعيم الجبهة والوسيط الأفريقي حول الأزمة الراهنة وسبل إيجاد حلول لها.