الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. أرباح وخسائر
يأمل الاقتصاديون توصل الجانبين الصيني والأمريكي لاتفاق عقب انعقاد قمة مجموعة العشرين الشهر المقبل رغم تصاعد الحرب التجارية بينهما.
بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فعليا في السادس من يوليو/تموز 2018 بتطبيق الولايات المتحدة أول تعريفات جمركية محددة خصيصا للصين وقيام هيئة الجمارك وحماية الحدود بتحصيل تعريفة جمركية بنسبة 25% على 818 منتجا صينيا مستوردا بقيمة 34 مليار دولار ، وردت الصين في اليوم نفسه بتطبيق بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على 545 سلعة أمريكية المنشأ بقيمة 34 مليار دولار ، واستمرت المعارك التجارية بين الطرفين وشهدت مراحل من التصعيد والتهدئة إلى أن اتفق الطرفان على عقد هدنة.
وبعد عقد 11 جولة من المحادثات التجارية رفيعة المستوى أعلن الرئيس الأمريكي تعثر المفاوضات في 5 مايو/أيار 2019، وأن الولايات المتحدة ستزيد التعريفات على المنتجات الصينية بقيمة 200 مليار دولار أمريكي من 10% إلى 25%.
وستكون زيادة التعريفة الجمركية سارية المفعول على البضائع التي تغادر الصين اعتبارا من 10 مايو/أيار 2019. وهدد الرئيس الأمريكي بطرح تعريفة جديدة بنسبة 25% على سلع صينية بقيمة 325 مليار دولار إضافية، والتي ستغطي أساسا جميع المنتجات الصينية المتبقية، وردا على ذلك، أصدرت وزارة التجارة الصينية بيانا أعلنت فيه أنها ستزيد التعريفة الجمركية على سلع أمريكية بقيمة 60 مليار دولار أمريكي اعتبارا من 1 يونيو/حزيران 2019.
ليصبح بذلك إجمالي قيمة البضائع الصينية المطبق عليها التعريفات الجمركية الأمريكية حصريا 250 مليار دولار ، هذا بخلاف واردات الصلب والألومنيوم والغسالات والألواح الشمسية التي تطبق على واردات دول عدة، وبلغ إجمالي قيمة البضائع الأمريكية المطبق عليها التعريفات الجمركية الصينية حصريا 110 مليار دولار .
الأهداف الأمريكية من الاتفاق التجاري مع الصين
تضمنت أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من الوصول لاتفاق تجاري مع الصين تقليص العجز التجاري بين الدولتين بمقدار 200 مليار دولار أمريكي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية في عامين، وزيادة نفاذ الشركات الأمريكية إلى أسواق الزراعة والطاقة والأسواق المالية الصينية، وإعادة الشركات الأمريكية للإنتاج وتوفير وظائف للأمريكيين داخل الولايات المتحدة، بجانب الحفاظ على التفوق التكنولوجي الأمريكي وأسبقيته.
وعقب تعثر الوصول لاتفاق تجاري تبادل الطرفان الصيني والأمريكي الاتهامات بالتسبب في توقف المحادثات التجارية، أعلنت الإدارة الأمريكية أن الصين تراجعت عن الوعود التي قطعتها خلال المفاوضات ومنها تخفيض الدعم الذي تقدمه للشركات المملوكة للدولة، بمعنى آخر تغيير النموذج الاقتصادي الذي تعتمد عليه الصين، واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بالتخلي عن بعض بنود الاتفاق.
فيما حثت الصين الولايات المتحدة على العودة إلى المسار الصحيح والتوصل إلى اتفاق يحقق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك على أساس الاحترام المتبادل، خاصة بعدما تعهدت في جولات المفاوضات بحماية الملكية الفكرية وزيادة استيرادها للبضائع الأمريكية.
ومنذ بداية المفاوضات توقع العديد من المحللين صعوبة الوصول لاتفاق تجاري بين دولة تعتمد اقتصاديات السوق الحرة التقليدية والتجارة الحرة وسياسات تقليل دور الدولة في النشاط الاقتصادي وبين اقتصاد ضخم متطور تكنولوجيا يدار مركزيا بقواعد مختلفة.
أزمة هواوي
تزامن تعثر الوصول لاتفاق تجاري وتبادل الولايات المتحدة الأمريكية والصين مع فرض تعريفات جمركية جديدة وتصاعد أزمة شركة هواوي، التي يقع مقرها في الصين وتعتبر واحدة من أكبر مصنعي وسائل الاتصالات والشبكات والهواتف الذكية على مستوى العالم.
وبدأت الأزمة بمنع الإدارة الأمريكية شركة هواوي من تطوير شبكة الجيل الخامس داخل حدودها، وفي مايو/أيار الجاري وضع مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأمريكية هواوي والشركات التابعة لها على "قائمة الكيانات المحظورة"، وحظرت كل من أستراليا ونيوزيلندا استخدام أجهزة هواوي في بناء شبكات الجيل الخامس للإنترنت بها.
وعلى الرغم من أن شركة هواوي أسهمت في القيمة المضافة الإجمالية الخاصة باقتصاد المملكة المتحدة بنحو 1.7 مليار جنيه إسترليني، ووفرت نحو 26.200 ألف وظيفة، وقامت بدفع ضرائب بلغت 470 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة من 2012 حتى 2018، غير أن شركتي إي إي وفودافون بالمملكة المتحدة ألغا طلباتهما الأولية الخاصة باستيراد هواتف هواوي الذكية المتوافقة مع الجيل الخامس.
كما أعلنت المملكة المتحدة مراجعتها لسياسات تطوير شبكات الجيل الخامس والتي قد تجعل دور شركة هواوي مقصورا على تزويدها بالمكونات غير الأساسية، وبالتالي فاستمرار الأزمة بين شركة هواوي والولايات المتحدة الأمريكية من شأنه تعطيل مساعي الصين لتعزيز نفاذها للأسواق الأوروبية والدول الأخرى وإعاقة جهودها لتدعيم قدرات شركة هواوي على تقديم خدمات شبكات الجيل الخامس التي تعد أحد متطلبات البنية الأساسية في المستقبل.
المكاسب من الحرب التجارية
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.. تراجع عجز الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة الأمريكية مع الصين ليقتصر على ما يقترب من 80 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2019، مقارنة بنحو 91.1 مليار دولار أمريكي خلال الربع الأول من عام 2018.
وبالنسبة للصين.. الانخفاض في قيمة العملة يعني زيادة القدرة التنافسية لمنتجات الدولة في الأسواق الخارجية وزيادة صادراتها. وتراجعت قيمة اليوان أمام الدولار الامريكي من 6.5039 يوان للدولار الأمريكي في مطلع عام 2018 لتصل إلى 6.8996 يوان/دولار أمريكي في الخامس والعشرين من مايو/ أيار 2019، الأمر الذي ساعد المصدرين الصينين في مواجهة التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن مزيدا من التخفيض في قيمة اليوان قد يصبح سلاحا ذا حدين إذا ولد ضغوطا على احتياطيات الصين الرسمية، فتخفيض قيمة العملة سلاح ذو حدين.
كما تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين بشكل هامشي من 14 مليار دولار أمريكي عام 2017 إلى 13 مليار دولار أمريكي عام 2018، بينما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 29 مليار دولار أمريكي عام 2017 ليصبح 5 مليارات دولار أمريكي فقط عام 2018.
ولم يكن للتعريفات الجمركية المرتفعة على الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية تأثير مباشر على الأسعار التي يدفعها المستهلكون الصينيون لأن العديد منها مدخلات صناعية وليست منتجات للاستخدام النهائي.
خسائر محتملة من تفاقم الحرب التجارية
وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الاقتصادية، فإن هناك العديد من التأثيرات السلبية المتوقعة حال استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهي:
النمو الاقتصادي: يتوقع الخبراء انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.45 نقطة مئوية، حيث يشير تقرير World Economic Outlook الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2019 إلى أن سيناريو تطبيق كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية تعريفات جمركية بنسبة 25% سينجم عنه تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة الأمريكية بمعدل يتراوح بين 0.3- 0.6% سنويا، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين بمعدل يتراوح بين 0.5- 1.5% سنويا.
الصادرات: ستتأثر صادرات الولايات المتحدة الأمريكية في الأجل الطويل سلبا نتيجة انخفاض عوائد رأس المال بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة وسعر الصرف المرتفع.
الزراعة: من المتوقع أن يواجه القطاع الزراعي الأمريكي تراجعا كبيرا نتيجة الرسوم الجمركية الصينية.
الصناعات التحويلية: سيشهد قطاع الصناعات التحويلية وخاصة صناعة الإلكترونيات انكماشا كبيرا في جميع أنحاء العالم وخاصة في الصين التي ستعوض ذلك بنمو كبير في قطاع الخدمات بها.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الرسوم الجمركية التي يفرضها على السلع الصينية تدفع الشركات لنقل الإنتاج لخارج الصين لدول آسيوية أخرى مثل فيتنام.
مبيعات التجزئة: تراجع نمو مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك الحال بالنسبة للصين التي تراجع فيها معدل نمو مبيعات التجزئة عن المتوقع في الوقت الذي تنفذ فيه خطط لعمل إعادة توازن لاقتصادها ليعتمد على الخدمات والاستهلاك المحلي بدلا من التصنيع والاستثمار.
التشغيل: تراجع أعداد المشتغلين في قطاع الصناعات التحويلية في الصين بمعدل 5%. وتراجع عدد الوظائف في قطاعي الزراعة والنقل بالولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 1%.
مستويات الأجور والأسعار: في الأجل القصير ستتأثر الأجور والأسعار في الصين كونها لا تتكيف بسرعة لتعويض الانخفاض في الطلب الخارجي نتيجة تراجع الصادرات للولايات المتحدة الأمريكية، وستتأثر في الأجل الطويل بتراجع وفورات الحجم.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ووفقا لتقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن الجولة الأخيرة من رفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية ستكلف الأسرة الأمريكية الواحدة 831 دولارا أمريكيا سنويا، وإذا تم زيادة التعريفات الجمركية على باقي السلع الصينية، فقد تتكلف أسرة من 3 أشخاص في الولايات المتحدة 2200 دولار أمريكي سنويا نتيجة ارتفاع أسعار السلع وفقا لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
وختاما يأمل الاقتصاديون في إمكانية توصل الجانبين الصيني والأمريكي لاتفاق تجاري عقب انعقاد قمة مجموعة العشرين في شهر يونيو/حزيران المقبل، والتي سيشارك بها الرئيسان الأمريكي والصيني، خاصة بعدما أكد صندوق النقد الدولي على أن التصعيد الأخير للحرب التجارية بينهما سيؤثر بشكل كبير على الأعمال التجارية والأسواق المالية، ويعطل سلاسل التوريد العالمية، ويقوض توقعات تحسن النمو العالمي في عام 2019.