حرب الرسوم بين أمريكا والصين.. صراع يصنع فرصاً للعالم النامي

رغم أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة تشكل تحدياً للنظام الاقتصادي العالمي، إلا أنها توفر أيضاً فرصة فريدة للدول النامية.
تسببت الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تتمثل في الرسوم الجمركية المتزايدة والتوترات المتصاعدة، في اضطراب كبير في ديناميكيات التجارة العالمية. ورغم أن الأثر الفوري كان سلبيًا على القوتين الاقتصاديتين الرئيسيتين، فإن هذا الاضطراب يفتح أيضًا آفاقًا وفرصًا كبيرة للدول النامية لتعزيز مكانتها في سلاسل التجارة العالمية.
وكشف تقرير نشره موقع "أوراسيا ريفيو"، أنه من خلال استغلال التحولات في التجارة، وتنويع سلاسل الإمداد، والارتقاء في سلاسل القيمة، وتعزيز التعاون الإقليمي، تستطيع هذه الدول تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتحول هيكلي طويل الأمد.
فعلى مدار عقود، كانت الصين تُعرف بـ"مصنع العالم" وكانت المصدر الرئيسي للسلع المصنعة إلى الولايات المتحدة. ولكن مع فرض رسوم جمركية مرتفعة من الطرفين على عدد كبير من المنتجات، أصبح من الصعب الاستمرار في هذا النمط من التجارة المباشرة. وقد نتج عن ذلك فجوات في سلاسل الإمداد يمكن للدول النامية أن تملأها.
تحويل مسار التجارة
وأحد أبرز مجالات الاستفادة هو "تحويل مسار التجارة". فمع ارتفاع تكلفة البضائع الصينية في السوق الأمريكية والعكس، تسعى الشركات في كلا البلدين للبحث عن بدائل. وهنا، تبرز دول مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، التي شهدت بالفعل زيادة في الاستثمارات وطلبات التصدير مع توجه الشركات نحو تنويع مصادرها خارج الصين. كما أن الدول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا التي تنتج مواد أولية أو سلعًا زراعية كانت تُستورد من الولايات المتحدة، بدأت في دخول أسواق جديدة مثل الصين.
وإضافة إلى ذلك، تتسارع حاليًا ظاهرة تنويع سلاسل الإمداد على مستوى العالم. فالشركات متعددة الجنسيات لم تعد ترغب في الاعتماد على بلد واحد كمصدر رئيسي للإنتاج، وتسعى حاليًا إلى إنشاء سلاسل إمداد أكثر مرونة وتنوعًا جغرافيًا.
وهذا يعزز فرص الدول النامية ذات الكلفة العمالية المنخفضة والبنية التحتية المتطورة نسبيًا والبيئة السياسية المستقرة في جذب استثمارات جديدة. كما أن نقل مواقع الإنتاج إليها سيساهم في خلق فرص عمل، ونقل المهارات والمعرفة، مما يدعم التنمية الصناعية والنمو طويل الأجل.
تعزيز المكانة في سلاسل الإمداد
ولا تقتصر الفرص على تعويض الصادرات فقط، بل تمتد إلى إمكانية صعود الدول النامية في سلاسل القيمة العالمية. حيث يمكنها الاستثمار في الصناعات عالية القيمة، كإنتاج المكونات الإلكترونية أو تطوير العلامات التجارية الخاصة بها أو الانخراط في التصنيع المتقدم. وبهذا يمكنها زيادة عوائدها من التصدير وتعزيز الابتكار والتحول الاقتصادي المستدام.
وكما يمكن أن تساهم هذه المرحلة في تعزيز التكامل الإقليمي بين الدول النامية. ففي الوقت الذي تتجه فيه الصين والولايات المتحدة نحو التركيز على أسواق داخلية أو اتفاقيات ثنائية، يمكن للدول النامية أن تستفيد من الاتفاقيات الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أو رابطة آسيان لبناء أسواق أكبر وأكثر مرونة وتقليل الاعتماد على القوى الكبرى. ومن شأن هذا أن يخلق سلاسل قيمة إقليمية تستفيد منها الدول المشاركة بشكل جماعي.
سياسات واجبة
ومع ذلك، فإن هذه الفرص لا تأتي تلقائيًا، بل تتطلب سياسات مدروسة واستعدادات استراتيجية. وعلى الدول النامية أن تستثمر في البنية التحتية (مثل الموانئ والطرق والطاقة)، وتحسين مناخ الأعمال، وتحديث التشريعات، وتطوير القوى العاملة من خلال التعليم والتدريب. ويجب أن تقدم الحكومات حوافز تنافسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وواضحة.
ولا بد من الانتباه للتحديات المحتملة. فبعض الدول المعتمدة بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة أو الصين قد تتضرر إذا استمرت الحمائية العالمية. كما أن تدفق الاستثمارات والطلبات بشكل مفاجئ قد يشكل عبئًا على البنية التحتية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار إذا لم تتم إدارة الوضع بشكل فعال. وبالتالي، فإن النمو المستدام والشامل يجب أن يكون في صلب الاستراتيجية، مع الالتزام بالمعايير البيئية وظروف العمل العادلة.
ويعد الانخراط في المنتديات متعددة الأطراف ودعم نظام التجارة الحرة والعادلة من خلال منظمة التجارة العالمية أمرًا بالغ الأهمية لضمان بيئة تجارية مستقرة تصب في مصلحة الجميع، وخاصة الدول النامية.
aXA6IDE2MC43OS4xMTAuMTQg جزيرة ام اند امز