الحل بالنسبة لنا لن يكون في الديمقراطية الغربية والصراع على المناصب، وإنما في المؤسسات والقانون.
التحولات التي سيشهدها العالم خلال الأعوام الثلاثين القادمة ستتجاوز ما شهده العالم خلال ثلاثة آلاف عام، هذا بعض ما أكده خبراء شاركوا في القمة السادسة للحكومات التي احتضنتها دبي الأسبوع الماضي، واهتمت بموضوع الذكاء الاصطناعي، ولنأخذ مثلا عن ذلك. لن تكون هناك حوادث سير؛ لأن السيارات الذكية ذاتية القيادة ستعرف كيف تحمي نفسها وكيف تنظّم حركتها في الطريق، ولن تكون هناك أمراض خطيرة لأن الإنسان سيكون بوسعه أن يدخل دورة المياه كل صباح ليقضي حاجته، وقبل أن يخرج منها سيكون أمامه تحليل طبي كامل يكشف له أي مستجدات تنذر بالمرض أو الخلل الصحي.
الحياة ستطول والعمر سيزداد بمعدل خمسة أعوام كل عشر سنوات، الذكاء الاصطناعي سيرتب حياة البشر، والروبوتات ستقدم خدمات في مختلف المجالات، الواي فاي سيكون في عدسة العين، ونظرات ذكية ستمكن صاحبها من معرفة الناس الذين سبق أن رآهم في يوم ما، وتقدم له سيرهم الذاتية، طائرات ستختصر مدة الرحلة بين واشنطن ودبي من 12 ساعة حاليا إلى ساعتين فقط، والبشر سيكون بإمكانهم استخراج المعادن من النيازك خلال خمسة أعوام لا أكثر، والجريدة في المستقبل سيكون دورها أن تجيب عن أسئلتك مباشرة.
الأمر لا يقف عند هذا الحد فالخبراء يتحدثون عن مهن كثيرة ستنقرض قريبا، حيث إن الآلات ستكون أفضل من البشر في ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وكتابة الوظائف للمدارس الثانوية بحلول عام 2026، وقيادة الشاحنات عام 2027، والعمل في تجارة التجزئة عام 2031. وبحلول عام 2049، سيكون بمقدور الآلات كتابة أكثر الكتب مبيعا، وفي عام 2053، ستقوم بإجراء العمليات الجراحية، كما هناك فرصة بـ50 بالمئة ليتفوّق الذكاء الاصطناعي على البشر في جميع المهام خلال الـ45 عاما المقبلة، كما أن الآلات يمكن أن تهيمن على جميع الوظائف البشرية خلال 120 عاما.
لا تزال شعوبنا في جانب كبير منها تعيش على الوهم والخرافة، وعلى الكسل والاستهلاك، وعلى تصنيع الأكاذيب وهتك عرض التاريخ، والصراعات الأيديولوجية الجوفاء. وحتى نُخبنا لا تزال في غالبيتها غير مدركة لحجم التطورات من حولها، وخاصة عندما يتعلق الأمر باتساع دائرة الذكاء الاصطناعي
في ظل تلك التحولات، ستكون الصين الدولة الأولى في العالم، وخلال سنوات معدودات، سيصدر القرار الدولي عن بكين وليس عن واشنطن أو لندن، وستجد ديمقراطيات الغرب نفسها أمام مأزق حقيقي مع بداية انسداد الأفق أمامها، كما ستتأكد ظاهرة الرجل القوي في أنظمة المستقبل السياسية، وستحتاج الدول إلى أنظمة قوية. أما الدول الفاشلة فمن الصعب أن تستعيد عافيتها، وهذه التنبؤات صدرت عن فرنسيس فوكوياما، المفكر السياسي والاقتصادي الأمريكي صاحب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، الذي يرى أن السلاح النووي قد لا يكون الخطر الذي سيهدد حياة البشر، وإنما الخطر قد يأتي من أشياء أخرى. فالحرب القادمة ستكون حرب الفيروسات، وهذا ما يعني أن البشرية في جزء منها قد تكون أمام كارثة فعلية، والفيروسات قد تكون السلاح الصامت الذي يقتل الملايين من البشر، فقط في إطار خطة ربما يتم وضعها في أيّ غرفة مغلقة، بهدف تخفيف حجم الضغط على كوكب الأرض بسبب الكثافة الديموغرافية وخاصة في الدول الفقيرة، وتراجع إمكانيات تحقيق حاجيات البشر من الماء والغذاء والبيئة النظيفة.
ماذا نحن فاعلون في ظل هذه التحولات؟ للأسف لا تزال شعوبنا في جانب كبير منها يعيش على الوهم والخرافة، وعلى الكسل والاستهلاك، وعلى تصنيع الأكاذيب وهتك عرض التاريخ، والصراعات الأيديولوجية الجوفاء. وحتى نُخبنا لاتزال في غالبيتها غير مدركة لحجم التطورات من حولها، وخاصة عندما يتعلق الأمر باتساع دائرة الذكاء الاصطناعي وهيمنة الآلة، وبالصراع بين القوى الكبرى على ما تبقى من موارد في كوكب يمضي نحو العجز على توفير حاجيات سكانه، وبالأسلحة الجديدة التي تتراوح بين حرب فيروسات حذّر منها فوكوياما، وبين المقاتلين المعدّلين جينيّا الذين قال الرئيس فلاديمير بوتين إن واشنطن بصدد إعداد جيش منهم، تماما كما في أفلام الخيال العلمي الهوليوودية.
الحل بالنسبة لنا لن يكون في الديمقراطية الغربية والصراع على المناصب، وإنما في المؤسسات والقانون، وفي قوة الدولة المركزية والقيادة الملهمة القادرة على تحفيز طاقات الجماهير، وفي العمل وفق متطلبات التحولات القادمة لا التاريخ الغابر، وفي الانتماء إلى العصر والإنسانية لا إلى الشوفينيات العرقية والدينية والمذهبية والجهوية، وفي تجاوز شعارات القدامة والعراقة لأن أقدر الدول على مواكبة التطورات العلمية المذهلة هي الدول الحديثة بقدراتها الديناميكية المتحركة بسرعة تواكب ما ينتظر العالم خلال الأعوام الثلاثين القادمة.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة