تطوُّر العلاقات السياسية، وتعدُّد أشكال الشركات العالمية، دفعا بهذه العلاقات إلى مزيد من التطور الإيجابي.
من عبق التوابل الهندية واللبان العربي تبدأ قصة العلاقات الخليجية- الهندية التي تبلغ مئات السنين؛ علاقة تبادلية تولدت لتشمل الجوانب الإنسانية كافة، سياسة وعلماً واقتصاداً وتأثيراً اجتماعياً، ولا تكتمل للباحث صورة العلاقات الخليجية الهندية من دون الرجوع أولاً إلى عمق التاريخ وشكل الجغرافيا- العلاقة بين الزمان والمكان- اللذين أتاحا للطرفين كثير احتكاك وديمومة تواصل.
ليس هناك شك بأن الجيرة البحرية عبر المحيط الهندي، أسست لهذه الروابط الوطيدة لدول الخليج مع الهند، فيما شكلت المصالح الاقتصادية والتجارية العامل الأول لعلاقات بنيت حين كان بحارة الخليج يركبون أمواج البحر للوصول إلى أرض التوابل، حاملين معهم اللؤلؤ والبضائع العربية، بينما كانت السفن الهندية تمخر عباب البحر لتؤسس نقاط ارتباط تجارية مع العالم القديم .
تنظر دول الخليج إلى الهند باعتبارها الدولة الجارة التي لا تحمل أي تاريخ استعماري ويمكن الشراكة معها؛ لتقاطع أهداف سياساتها الخارجية ومحدداتها ومرتكزاتها مع دول الخليج بصفة عامة، كالانفتاح الاقتصادي والأمن والسلم العالميين، والأمن البحري، ومكافحة القرصنة والإرهاب، وعدم التدخل في شؤون الغير
وبالوصول إلى القرن المنصرم، يمكن القول: إن الاتصال الخليجي الهندي كان مدفوعاً بالمصالح التجارية بشكل حصري، إلا أن تطور العلاقات السياسية، وتعدد أشكال الشركات العالمية، دفعا بهذه العلاقات إلى مزيد من التطور الإيجابي، لاسيما بعد انفتاح دول الخليج على الشرق، وانفتاح الهند على الغرب، وتجاوز النقاط التي شكلت خلال النصف الثاني من القرن العشرين عوائق لتنامي هذه العلاقة، كالحرب الباكستانية- الهندية، والعلاقة مع الاتحاد السوفييتي، ولعل أهم العوامل التي جعلت البوصلة الهندية تشير باتجاه منطقة الخليج:
1. الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية لمنطقة الخليج في العالم والموقع الجغرافي في ظل الزيادة التي تشهدها تجارة الهند العالمية.
2. دول مجلس التعاون الخليجي ثاني شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة.
3. الإمدادات النفطية، حيث شكل النفط الخليجي نصف واردات الهند من النفط في 2016.
4. عدد المغتربين الهنود في دول الخليج 8 ملايين بتحويلات مالية تقدر بـ40 مليار دولار -وفقاً لإحصاءات البنك الدولي- تمثل 47% من إجمالي التحويلات المالية للهند من كل دول العالم.
5. أهمية الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية بالنسبة للهند في العالم الإسلامي.
إن إرهاصات التعددية القطبية التي بدأت مع نهايات العقد الأول من القرن الجاري، وتغير مقاربة القوى الكبرى في العالم فيما يخص الشرق الأوسط، دفعا دول الخليج إلى تأسيس شراكات جديدة مع قوى عالمية كالهند التي سيكون لها – بحسب مراقبين- تأثير كبير في الساحة الدولية في المدى المنظور، حيث تحتل موقعاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً بارزاً بين الكبار، فهي من أكبر 10 اقتصادات في العالم، وثاني أكبر دول العالم في عدد السكان، وثالث أكبر مستورد للنفط، علاوة على قدراتها العسكرية والنووية.
وتنظر دول الخليج إلى الهند باعتبارها الدولة الجارة التي لا تحمل أي تاريخ استعماري، ويمكن الشراكة معها، لتقاطع أهداف سياساتها الخارجية ومحدداتها ومرتكزاتها مع دول الخليج بصفة عامة؛ كالانفتاح الاقتصادي والأمن والسلم العالميين والأمن البحري، ومكافحة القرصنة والإرهاب، وعدم التدخل في شؤون الغير، ما عزز الروابط السياسية والأمنية والعسكرية بين الطرفين، والتي تجلت بتوقيع اتفاقيات دفاعية واتفاقيات للتعاون في المجال العسكري.
من الواضح أن العلاقات بين الجانبين ستنمو في المحاور الاقتصادية والاستراتيجية كافة، حيث إن هناك مجالات واسعة لتعزيزها على المدى المنظور والطويل، وبإمكان دول الخليج تشجيع الهند على الاضطلاع بدور أكبر في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وتعزيز التفاهمات السياسية والروابط الاستراتيجية، جنباً إلى جنب مع تعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة