يرجع اليمنيون تردي أوضاعهم وتشظي شؤونهم دائما لتدخلات خارجية أفضت لعبث سياسي وإفساد للذمم، من منطلق تعليق شماعات الإخفاق على الآخرين.
يرجع اليمنيون تردي أوضاعهم وتشظي شوؤنهم دائما لتدخلات خارجية أفضت لعبث سياسي وإفساد للذمم، من منطلق خلق الأعذار –وبالمفهوم الشعبي- تعليق شماعات الإخفاق على الآخرين، سعيا منهم وإدراكا لقصور دائم في مفهوم قدرتهم على إدارة شؤونهم والتحكم في مصيرهم والتخطيط لمستقبلهم. وأنا هنا لا أسعى لجلد الذات، وإنما نحن بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف ليس إلا.
إن فقدان البوصلة الدائمة لقدرتك على التخطيط التكتيكي وحتماً الاستراتيجي يفضي بك إلى حالة من التوهان والضياع التي تفقدك الثقة بنفسك وتدفعك للبحث عن ميكانزمات وآليات للتبرير، وصولا للبكاء على حائط الندم، وعض الأصابع على الفرص الضائعة خلال عقود طويلة.
قد لا يكون من المفيد الخوض في التفاصيل اليومية من أحداث ومستجدات، وذلك من منطلق أن الحديث حول تحليل أبعادها خارج عن المنهجية أو الموضوعية ربما لأسباب تتصل بأننا نتعايش مع الحدث أو أننا جزء منه، إلا أن الخروج من التقييميات الآنية قد يكون أكثر فائدة أو إيجابية. ففي 26 سبتمبر من العام 1962 تمكن اليمنيون من القيام بثورة مجيدة، أخرجتهم من زمن العصور الوسطى المظلمة، من حكم كهنوت وجهل وفقر وإمعان في إذلال أمة كاملة كانت تُحكم بمزاج وميول شاذة لإمام منغلق ومحصور في سراديب أحكام عصور الجاهلية، هذا الوصف هو أقل ما يمكن الحديث حوله عن تلك المرحلة، ولرغبتي في عدم الدخول في تفاصيل تلك المرحلة، فإني أعرج على ما نحن عليه اليوم.
بعد 56 عاما على ثورة شمال اليمن، لم يختلف شيء.. طريقة الحكم الشاذ ذاتها والأدوات القمعية نفسها وكذلك توجهات الأفكار الكهنوتية، والفقر بات السائد، والجهل أصبح حقيقة حتى لأرباب الشهادات العليا، أما الأمراض والأوبئة فبات اليمن أكبر تجمع بشري في العالم بعد الحرب العالمية الثانية مهددا بفقدان مواطنيه حياتهم؛ بسبب نقص الأدوات الطبية والأدوية والحد الأدنى من الغذاء والماء. إذن فما الفرق ؟
أوصل الحوثيون اليمن، والمناطق التي يسيطرون عليها تحديدا إلى حالة تشبه وتتفوق على ما كان يعيشه اليمن قبيل خمسة عقود، هم نجحوا في هدفهم الذي سعوا لتحقيقه لعقود طويلة، لأنهم لن يتمكنوا من الوجود والانتشار والحضور إلا في مثل هكذا حياة وهكذا حال
أوصل الحوثيون اليمن، والمناطق التي يسيطرون عليها تحديدا، إلى حالة تشبه وتتفوق على ما كان يعيشه اليمن قبيل خمسة عقود. هم نجحوا في هدفهم الذي سعوا لتحقيقه لعقود طويلة، لأنهم لن يتمكنوا من الوجود والانتشار والحضور إلا في مثل هكذا حياة وهكذا حال، واليمنيون فشلوا في بناء أمة وعقل بشري يجعلهم يتجاوزون سقوطهم في حكم العصور الوسطى الحوثية.
وعلى صعيد متصل ومتتابع، أثبتت التجارب والأيام فشل وإخفاق النخب التي تحكم وحكمت اليمن، أو كانت في المعارضة الصورية أو تعايشت مع الحياة السياسية، أما لاتصالها بأيديولوجيات يمينية راديكالية متطرفة، أو لاستيرادها لأفكار قومية واشتراكية عفى عليها الزمن وتجاوزت الحاضر وتسارع مستجداته، أو كونها أفكارا ليبرالية متقدمة تتجاوز إمكانية التنفيذ والتطبيق في مجتمع قبلي جاهل ومتخلف وفقير.
قد يرى البعض قسوة فيما أتناوله بالسرد والتحليل، إلا أن تقييمات أوضاعنا تحتاج قسوة، لتقييم حقيقي وموضوعي لا يبالغ في النقد ولا يقلل من الحقائق، ويقدم قدر الاستطاعة وصفا وقراءة يراعيان حدود التناول الصادق المتزن للأحداث، والتعامل السياسي مع المستجدات الحاصلة والمتطورة والتي لا تقف عند حدود أو حواجز.
لهذا ألم يَحِنْ لسائر الفصائل والقوى اليمنية أن تدرك أن فسادها وإفسادها للحياة السياسية بل الاجتماعية، كان سقوطا قيميا، تعمق من خلاله قصور وفشل دام أكثر من خمسة عقود، الحقيقة المختلفة الآن أن حالة السقوط مازالت في أوج تهورها وتدهورها، ومازالت رغبات ونهم أمراء الحروب وتجار السياسة وأرباب المبادرات ينعمون بأوقات طويلة لا تحقق فيها أي نتائج على الأرض أو حتى على الورق.
في المقابل بات حال أكثر من خمسة وعشرين مليون مواطن يمني في حالة تبلد زمني وشلل تاريخي إن صح التعبير، هم يعودون للوراء بسرعة مذهلة، ويخسرون الكثير مما حققوه من نتائج هزلية في الأساس، كان في السابق يسيطر عليهم زوايا مثلث بأبعاده الثلاثة، الفقر والجهل والمرض، اليوم بات تسيطر عليهم أشكال هندسية بزوايا لحصر لها، هو الفقر والمرض والجهل والقتل والخوف والعوز والحاجة والموت وشبح المستقبل المجهول والحرب المنسية.
الشاهد أن قراءة أحداث الحروب في المناطق الأشد فقرا وجهلا وعوزا، تنبئ بعقود طويلة من المعاناة اللامنتهية، والجدير بالتنبه له نماذج الدول المشابهة في المنطقة مثل الصومال والعراق ودول أفريقية وآسيوية عديدة. فنحن بحاجة إلى تجاوز أنين الوطن الدائم إلى تفاؤل حذر ببناء وطني يخرج عن حسابات الربح والخسارة، يعلي مصلحة اليمن واليمنيين، ويتجاوز مصالح الحزب أو التيار أو القوى أو القبيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة