المتتبع لنهج الإدارة الأمريكية وتوجهاتها في أعقاب هذه الجولة، عليه أن يدرك أن الجانب الأمريكي ينطلق من حسابات المكسب والخسارة.
جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للشرق الأوسط في أعقاب زيارة خاطفة لنائب الرئيس الأمريكي لكل من مصر والأردن وإسرائيل، وزيارة تيلرسون اختلفت عن سابقتها من حيث استهداف دول أخرى مثل الكويت ولبنان وتركيا بالأساس، على اعتبار أن الإدارة الأمريكية انتقلت من العام إلى الثنائي، ومن الطرح الأشمل إلى طرح جزئي، ومع كل دولة على حدة، خاصة أن الإدارة الأمريكية تمر في الوقت الراهن بمرحلة انتقالية جديدة بعد دخولها العام الثاني في الحكم، وفي ظل سعي الرئيس ترامب للانتقال من طرح المواقف، والتوجهات لمرحلة تنفيذ السياسات الأمريكية على المستويات الإقليمية والدولية، وهو ما طرح في سياق ما يجري من مهام أمريكية عاجلة في الشرق الأوسط .
لقد جاءت زيارة الوزير الأمريكي من القاهرة مثلما فعل نائب الرئيس الأمريكي بنس؛ لإدراك الجانب الأمريكي أن القاهرة وعمّان مركز الثقل السياسي والاستراتيجي المؤثر في الملف الفلسطيني، وأن البلدين لديهما الإمكانيات للتأثير في إدارة المشهد القادم في الأراضي المحتلة، وأن واشنطن قادرة على التأثير أيضا في مجريات عدة داخل بعض الدول التي شملتها الجولة، وأن الحديث الأمريكي المكرر حول الحريات وحقوق الإنسان في مصر، والمطالبة بإجراء عملية سياسية تقوم على الشفافية جزء من محاولة التأثير الأمريكي على الملفات الداخلية المصرية في التوجيه وتبني المواقف، كما أن التوجه الأمريكي سينطلق للتأثير على الجانب الأردني المؤثر في القرار الفلسطيني عبر آلية الدعم العسكري الكبير، وتقديم صفقة البلاك هوك الأخيرة للأردن قبل أيام من زيارة الوزير الأمريكي، يؤكد أن الإدارة الأمريكية حريصة على التمسك بحلفاء الإدارة الأمريكية ولكن من منطق استراتيجي ومصلحي بحت .
كما أن السؤال المشروع، والذي يحتاج إلى طرح حقيقي ومباشر: هل يمكن للولايات المتحدة المبادرة بطرح تصور كامل، أو مشروع تسوية دون مشاورات مع أي طرف عربي والاكتفاء بما يسوق أمريكيا، وعلى اعتبار أن ما ستقوم الإدارة بالإعلان عنه جزء من صفقة شاملة إما أن يقبلها الجانب الفلسطيني أو لا يقبلها، ومن ثم تعكف الإدارة وشريكتها إسرائيل في تنفيذ الصفقة الكاملة من جانب واحد لتكون مشروع سلام من جانب الإدارة دون إخضاعه لتفاوض أو حوارات أو مفاوضات، خاصة مع تنحية ملف القدس، والاكتفاء بسائر القضايا الأخرى، ومنها ملف حق العودة والمستوطنات، وحدود وصلاحيات الكيان الفلسطيني الجديد؟ .
يتضح من النتائج الأولية لزيارة الوزير الأمريكي أن حل الأزمة القطرية مازال غائبا، ولا يحتل أولوية لدى إدارة ترامب، خاصة بعد تفعيل التعاون القطري الأمريكي بصورة مبالغ فيها، وتحويل العلاقة إلى علاقة استراتيجية بإجراءات من جانب واشنطن ومسعى مصلحي نفعي من جانب الدوحة
والمتتبع لنهج الإدارة الأمريكية وتوجهاتها في أعقاب هذه الجولة، عليه أن يدرك أن الجانب الأمريكي ينطلق من حسابات المكسب والخسارة، والمعادلة النفعية الحقيقية وهو ما جرى في إطار التوجه الأمريكي إزاء تركيا أيضا، خاصة مع استمرار الخلافات السياسية والاستراتيجية للتحركات التركية في شمال سوريا، والتجاذبات بشأن ما بعد معارك عفرين، وهو ما يمكن للإدارة الأمريكية البناء عليه، خاصة أن الإدارة الأمريكية حددت لحضورها مجددا في الملف السوري أولويات ومهام لن تحيد عنها، وهو ما سيدفعها لمحاولة استيعاب الشركاء في المنطقة، كلٍّ على حسب توجهاته وأهميته للجانب الأمريكي، وما ينطبق على الأردن لن ينطبق بالأساس على العراق أو الكويت، خاصة أن وزير الخارجية الأمريكي يواجَه بتحديات عديدة داخل البيت الأبيض، وفي الكونجرس بل وفي الاستخبارات الأمريكية، الأمر الذي جعله في الأشهر الأخيرة يهدد بالاستقالة، وترك موقعه ومن ثم فإن الوزير يريد أن يحقق اختراقا في المواقف الأمريكية الحالية تجاه دول المنطقة وقضاياها الملحة والأولى بالاهتمام .
يتضح من النتائج الأولية لزيارة الوزير الأمريكي أن حل الأزمة القطرية ما زال غائبا، ولا يحتل أولوية لدى إدارة ترامب، خاصة بعد تفعيل التعاون القطري الأمريكي بصورة مبالغ فيها، وتحويل العلاقة إلى علاقة استراتيجية بإجراءات من جانب واشنطن ومسعى مصلحي نفعي من جانب الدوحة، ومن ثم فإن التداعيات المطروحة لزيارة الرئيس الأمريكي للكويت لن تكون إيجابية ولن يبنى عليها، وهو ما يدركه الجانب الأمريكي تماما، خاصة أن الاهتمام بالعراق سيأتي على رأس الأولويات المطروحة، وإعادة الإعمار من خلال دعم دولي تقوده نظريا الولايات المتحدة، سيكون على رأس التوجهات الأمريكية المطروحة، وعلى اعتبار أن ما يهم الإدارة الأمريكية مقايضة الملف العراقي بالملف السوري؛ بمعني التركيز على الاستثمار في الحضور الأمريكي في العراق بالأساس مع وجود استراتيجي في سوريا، وهو ما يجري من تخطيط أمريكي للتمركز في الشمال الشرقي مقابل ترك الترتيبات الأمنية والاستراتيجية المقبلة لروسيا بالتوافق، وعدم إسقاط أي خيار في مبادلات الأمن والتخطيط طويل الأجل في الساحة السورية، وهو ما لا يمانع الجانب الروسي في طرحه .
سيكون إذن على الإدارة الأمريكية التعامل الراهن والمنتظر في الإقليم بأكمله، سواء في ملف الصراع العربي الإسرائيلي الذي لن يخرج عن تصورين؛ الأول: الانتقال من تبني المواقف لبناء تصور استشرافي للتعامل مع تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة، مع محاولة التأكيد على الحضور السياسي والاستراتيجي مع رفض أي دور لأي طرف دولي آخر في هذا الملف الشائك الذي سيظل أمريكيا برغم كل التحركات الفلسطينية المزعجة بالفعل للجانب الأمريكي؛ إذ يسعى الرئيس محمود عباس لبناء تحالف من أجل السلام يضم دولا من الاتحاد الأوروبي ودولا عربية وروسيا والصين والأمم المتحدة، وهو ما قد يؤدي لمزيد من الضغط على الإدارة الأمريكية، وينهي احتكارها المباشر لعملية السلام، ويضعها والحكومة الإسرائيلية في مأزق حقيقي ما لم يتم الاستجابة للمطلب الفلسطيني.
الثاني: التجاوب الحذر لكل التحركات المناوئة للجانب الأمريكي، ليس في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وإنما أيضا في الملف السوري، وفي الخليج العربي بكل تفاعلاته الإقليمية والدولية، وباعتباره مركز القرار العربي الحالي، وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية تتفاعل مع أحداثه، ومواقفه سواء بالنظر لمخاطر الطرح الإيراني أو المطامع التركية جنبا إلى جنب الوجود الروسي المثير للتشكك الأمريكي، خاصة مع إعادة طرح الأولويات الأمنية والاستراتيجية المتعلقة بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب على داعش، وبدء مرحلة جديدة تتجاوز المواجهات العسكرية الحالية إلى مرحلة أخرى تبنى على أسس ومعطيات جديدة، تدرك الولايات المتحدة أنها لن تكون بمفردها المتحكمة في توجيه القرار الاستراتيجي بشأنها، وهو ما يتطلب اتساع الرؤية الأمريكية، وعدم اقتصارها على ملف محدد أو الدخول في معادلات صفرية في ظل التطورات الحادثة في المنطقة بأكملها.
تبقى ملاحظات مهمة يجب الإشارة إليها، وأهمها أن الإدارة الأمريكية عليها مسؤولية سياسية واستراتيجية بصرف النظر عن الاختلاف حول الدور والمهام أو القبول بدورها؛ لأننا نتعامل مع نظام دولي مازالت الولايات المتحدة على رأسه، وصحيح أن قيم الحق والعدالة والإنصاف والحقوق السياسية المشروعة، وإجراء توازن في نمط وتفاعلات العلاقات الإقليمية والعربية والدولية مدخلات لأية علاقات، إلا أن الواقع يؤكد أن الدول العربية لاتزال تملك قدرات وإمكانيات التأثير الممتد وليست فقط المتلقية للسياسات والتوجهات، وعلى الإدارة الأمريكية الحالية أن تتفهم المعطيات والوقائع التي تتفاعل مع من حولها، وتتطلب رؤية أكثر وضوحا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة