المترجم المصري أحمد السعيد: تجربة الإمارات الثقافية ملهمة
الصين تراهن على النموذج الإماراتي كنموذج ناجح في التنمية المستدامة، كما تعتبر أن مشاركتها بمعرض أبوظبي للكتاب هي الأهم والأقوى عربيا.
أكد الدكتور أحمد السعيد، المترجم المصري عن اللغة الصينية، أن نموذج التعاون بين الإمارات العربية المتحدة والصين يعد ملهماً لكل الأطراف، متوقعاً أن تسهم زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى الصين، في إحداث طفرة نوعية في العلاقة بين البلدين.
وأكد أن الجانب الصيني اعتبر مشاركة الصين كضيف شرف في معرض أبوظبي للكتاب قبل عامين، أعظم مشاركة ثقافية في دولة عربية، وأسفرت عن توقيع أكثر من 100 اتفاقية، فضلاً عن حضور أهم 6 أدباء صينيين في أبوظبي.
يعد المترجم المصري الدكتور أحمد السعيد، أحد أهم خبراء التبادل الثقافي بين العالم العربي والصين، ولعبت مؤسسة "بيت الحكمة" التي أسسها عام 2011 دوراً مهماً وحيوياً لتعزيز صور التعاون بين الثقافتين الصينية والعربية، كما تمكن عبر مشاركة الصين كضيف شرف لمعرض أبوظبي للكتاب، قبل عامين، في أن تكون المساهمة الصينية فعالة ومؤثرة، وهي اليوم إحدى العلامات المميزة للمعرض.
ويستعد السعيد للعمل انطلاقاً من العاصمة الإماراتية أبوظبي التي يراها مدينة مثالية للتعاون الثقافي مع الصين في مجالات الترجمة والنشر والصناعات الإبداعية، وإلى نص الحوار..
كيف ترى زيارة ولي عهد أبوظبي إلى الصين؟
الزيارة خطوة مهمة على طريق التعاون بين الإمارات العربية والصين، وقد شاركت في تحضير برنامج مشاركة الصين بمعرض أبوظبي للكتاب، وكان الاهتمام الإماراتي بهذا الحدث على أعلى مستوى، وأعطى إشارة مهمة لدفع مسيرة التعاون بين البلدين، واعتبرها الجانب الصيني المشاركة الأنجح على الإطلاق في معرض كتاب عربي، ما عزز لدى الصينيين الإيمان بقدرة الإمارات على الإنجاز وترجمة التعاون في مشروعات عملاقة، وهو ما ستفسر عنه زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
كيف يمكن للزيارة المساهمة في تنمية الدور الثقافي للإمارات في حركة النشر والترجمة؟
الإمارات لديها تجربة ملهمة جداً في المجال الثقافي، وهذا العام ترجمنا درراً من أقوال الشيخ زايد، وهي حكم لا تختلف عن تعاليم كبار حكماء العالم، ومن المتوقع أن تُحدث صدى جيداً في الصين، كما ترجمنا كتابين للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وهما "تأملات في السعادة" وكتاب "قصتي" وكلاهما ترجم وصدر بالصينية هذا العام.
ويرى الصينيون أن النموذج الإماراتي نموذج ملهم جداً خلال السنوات الـ10 الأخيرة؛ حيث الانتقال من النموذج التقليدي إلى نموذج الدولة التي تعتمد على ما بعد الحداثة وتفكر في المستقبل بشكل استراتيجي، وباتت دولة مصدرة للفكر ومستوردة له، وهذا نموذج فريد في التفاعل الثقافي واحترام التعددية الثقافية في مقابل دول كثيرة منغلقة على نفسها.
هل أسهمت استضافة الصين كضيف شرف بمعرض أبوظبي للكتاب في إحداث طفرة في العلاقات الثقافية مع بكين؟
الإمارات باتت مركز إشعاع ثقافياً، والميزة الأكبر أنها لا تعكس ثقافتها فقط، بل تلعب دوراً رائداً في تصدير كنوز الفكر والثقافة العربية للصين، ويبقى اهتمام الإمارات بالهوية، والذي يتمثل في الاحتفاظ بالزي مثلاً، دليلاً على الحفاظ على الهوية والاعتزاز بها.
وقد كانت هذه أعظم مشاركة ثقافية للصين في دولة عربية تاريخياً، وكانت هناك 70 دار نشر صينية في جناح بمساحة 1000 متر، وعقدت أكثر من 100 اتفاقية، فضلًا عن حضور أهم 6 أدباء صينيين في أبوظبي، وبعد أن أدركت الصين قيمة وتأثير أبوظبي، باتت لها مشاركتان في معرضين ثابتين في الدول العربية: معرض القاهرة باعتباره صاحب الزخم والحضور، ومعرض أبوظبي كنموذج لمعرض الكتاب بالنمط الأوروبي والشكل الحديث.
وهل التعاون قاصر على ترجمة ونشر الكتب فقط؟
لا، بل هناك تسويق للمنتجات الثقافية الصينية داخل الدول العربية، والمنتجات الثقافية العربية داخل الصين، كما هناك تعاون في مجال الدبلجة ظهر منها للنور حتى الآن 5 مسلسلات صينية لتليفزيون أبوظبي، فضلًا عن أفلام وثائقية من إنتاج ودبلجة "بيت الحكمة"، وننتج حالياً مع تليفزيون أبوظبي فيلماً مشتركاً إماراتياً صينياً يحكي قصة طريق الحرير بين الجانبين.
كما نعمل من خلال فرع "بيت الحكمة" في الإمارات على تطوير الرقمنة والخدمات الإلكترونية، ومن المفترض خلال معرض بكين المقبل أن يحصل قطاع المكتبات الوطنية في أبوظبي على أكبر مكتبة رقمية باللغة الصينية، لإتاحتها أمام القراء في الإمارات في أي مكتبة وطنية.
ومن الواضح أن الصين تضع الإمارات أمامها وتهتم بالتعاون معها ثقافياً، وكذلك مصر، ولكن الإمارات لديها السبق في مجال التواصل الإنساني، وأطلقت مثلاً مشروع "هلا بالصيني" حيث يدخل المواطن الصيني بدون تأشيرة من ممر خاص، والرخصة التي يستخدمها داخل الإمارات مكتوبة باللغة الصينية، وكذلك عقد البيع الذي يشتري به، كما أن هناك عدداً من رجال الشرطة الإماراتيين بات فرضاً عليهم أن يتحدثوا الصينية.
كما أن الصين وقعت مع الإمارات 13 اتفاقية العام الماضي، وكانت الإمارات من الذكاء بحيث جعلت اتفاقية منهم تخص التعليم، وخلال الفترة المقبلة تهدف الإمارات لإنشاء 200 مدرسة تعتمد على التعليم باللغة الصينية.
وما قصة تأسيس مؤسسة "بيت الحكمة للتبادل الثقافي"؟
أردت الاستفادة من خبرتي ودرايتي باللغة الصينية والثقافة هناك، لتكون هناك تبادلات ثقافية بين الثقافتين، وقمنا وقتها بتوجيه الدعوة لاتحاد الناشرين المصريين، واتحاد الناشرين العرب وحضر منهم 27 ناشراً، واستمرت الأمور بحيث يخرج حوالي 10 كتب سنوياً، إلى أن جاء عام 2013 عندما أعلنت الصين مبادرة الحزام والطريق، التي للمصادفة كانت تصب في إطار ما نهدف إليه، وتطور الأمر لما أصبح عليه الآن، حيث إننا نمتلك حالياً بخلاف فرعي مصر والصين، فرعاً آخر في الإمارات.
خلال تلك الفترة أنجزنا حوالي 1000 اتفاقية نشر وترجمة، ترجمنا من خلال فريقنا 350 عنواناً تقريباً عن الصينية، في حين ترجمنا حوالي 50 عنواناً عن العربية للصينية.
ولماذا هذا التفاوت بين ما يترجم للصينية والعكس؟
الصين تدعم ترجمة الكتب عن لغتها بشكل كبير للغاية ومشجع، لكن في الوطن العربي لا توجد الجهة التي تتولى هذا الأمر وتدعمه بشكل كبير، والمركز القومي للترجمة في مصر يترجم عن اللغات الأخرى للعربية، وكذلك مشروع كلمة، لكن الجهة التي تقوم برعاية الترجمة العكسية، وهي ترجمة الأدب والمعارف العربية للغات أجنبية، لا تتوافر لدينا حتى الآن.
هناك أزمة أخرى تفسر لماذا لا نترجم الكثير عن العربية للصينية، وهي أن الكتاب المراد ترجمته لا بد أن يكون معبراً عن القارئ الصيني، أو يصب في اهتماماته، وإلا لن يشتريه أو يرغب في مطالعته، ولذلك تنحصر ترشيحاتنا في الروايات العربية فقط، لأن لدينا أزمة في الكتب الفكرية التي تخص السياق الإنساني العام، والتي تتوجه للإنسان العالمي وتهتم بهواجسه وانفعالاته ورغباته، بغض النظر عن خلفياته المختلفة.
ورأيي أن الكتابة العربية كتابة فردية تعكس وجهة نظر الكاتب فقط، ولا تهتم بوضع أيدلوجية إنسانية، بخلاف ما كتبه أحمد أمين مثلا الذي باع كتابه "حياة محمد" 380 ألف نسخة في الصين، بسبب توجهه العالمي والإنساني وعدم حصر الأمر في إطار ديني بحت.