لم يعد صعود الصين في العلاقات الدولية يوصف بأنه هادئ أو متدرج بل كل الحديث الآن عن عظمة الصين
"تطوير العلاقات مع الصين يمثل توجها لدولة الإمارات" عبارة قصيرة وردت أمس في تصريحات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يقوم بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية.
اختصر سموه بهذه الكلمات العديد من اجتهادات المحللين والمراقبين في تفسير الهدف الأساسي من هذه الزيارة، مشيرا إلى حقيقة المكانة السياسية والاقتصادية التي تحتلها الصين في العلاقات الدولية والتي دفعت المنظرين والمفكرين إلى محاولة فهم ما فعله القادة في تغيير أدوات التحديث والتنمية وبالتالي الصعود ببلادهم للمنافسة على قيادة العالم.
قادة الصين عندما يفكرون ويخططون في الحضور بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المنطقة التي يتفق الكثيرون على أنها الأهم في إدارة العلاقات الدولية من حيث: الموقع والموارد الأولية، فإنهم بلا شك يدركون مدى أهمية التنسيق مع دولة الإمارات وكسبها كحليف استراتيجي يتوفر فيه كل أسباب النجاح.
فهي الدولة الأكثر انفتاحا على كل المجتمعات الأخرى، ولديها قاعدة استثمارية واقتصادية تسمح لها بالانتشار في المنطقة، ومن خلالها يمكن تمرير العديد من صناعاتها وسلعها إلى دول العالم.
أضف إلى ذلك تبنيها قيما إنسانية مثل التسامح بين الأديان والتعايش بين الشعوب، وهو ما يجعلها أكثر قبولا لدى الآخر أيا كان فهي عوامل مهمة في تحقيق التواصل والتعاون والتفاهم، لذا فإن الاهتمام الصيني بالإمارات أمر مخطط ومدروس، كما درست كل خطواتها في السياسة الخارجية التي لم تعد متدرجة.
عندما تكون دولة بحجم الصين هي التي تبادر من أجل تطوير العلاقات الثنائية، فمن الطبيعي أن تستجيب دولة الإمارات ولا تتردد في تنمية هذه العلاقة لا سيما أن العالم كله قد بدأ بمغازلة الصين للتقارب معها، ذلك لأنها أصبحت مركزا للتطوير التكنولوجي يستشرف المستقبل في العديد من التقنيات
صحيح أن دولة الإمارات تسعى لتطوير علاقاتها بالصين وأن هذا السعي بدأه مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل أكثر من ثلاثة عقود، ولكن ينبغي ألا ننسى أن الرغبة مشتركة بل ربما تعد الصين في هذا الوقت أكثر إلحاحا على تطوير هذه العلاقة والتقارب مع الإمارات.
وقد كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل عام إلى الدولة تأكيدا لتلك الرغبة على الأقل لأن الإمارات هي الدولة الأكثر بروزا في المجالات التنموية والإنسانية في المنطقة التي تستهدفها الصين في علاقات الخارجية، وهي أهم دولة يراهن عليها قادة الصين في نجاح أي مشروع اقتصادي موجه للمنطقة والانتشار منها إلى باقي الدول.
عندما تكون دولة بحجم الصين هي التي تبادر من أجل تطوير العلاقات الثنائية، فمن الطبيعي أن تستجيب دولة الإمارات ولا تتردد في تنمية هذه العلاقة لا سيما أن العالم كله قد بدأ بمغازلة الصين للتقارب معها، ذلك لأنها أصبحت مركزا للتطوير التكنولوجي يستشرف المستقبل في العديد من التقنيات التي تهدد السوق الغربية، وعلى الرغم من جميع الخطط التي تسعى لإفشال الصين في أن تحافظ على مكانتها الرائدة في السوق العالمي فإنها لم تتراجع ولم تتزحزح.
وما دفع نحو المزيد من التوتر والقلق من قبل هذه الدول هو أن الصين دولة مقبولة من قبل الدول الأخرى حتى تلك الدول الحليفة للولايات المتحدة في كل من أفريقيا وآسيا. كما يتوضح في المستقبل القريب فإن الدول التي لا تحافظ على علاقة جيدة مع الصين ستكون خاسرة في العلاقات من منطلق السياسة الواقعية في العلاقات الدولية التي تقوم على البراغماتية والمصلحة.
لم يعد صعود الصين في العلاقات الدولية يوصف بأنه هادئ أو متدرج، بل كل الحديث الآن عن عظمة الصين التي تخطط للسيطرة على العالم بإحياء "طريق الحرير الجديد" أو ما يعرف بمبادرة الحزام والطريق بل كل الكلام منصب عن قيادتها للعالم في كل المجالات.
فعلى الرغم من أنها استطاعت الانتشار في بقاع الأرض إن لم يكن في كل بيت فإنها لم يُسجل لها خصام مع أي دولة في العالم، وهي حريصة في الحفاظ على هذا الموقع بل وتقوله بصريح العبارة وكل شفافية، وذلك يتضح أيضا في أغلب مشاركاتها التي تنصب في القضايا التي تساهم في الاستقرار والأمن الدوليين مثل مكافحة القرصنة والتطرف والإرهاب وتحافظ على مصالحها في العالم.
لتخيل أن هناك مشتركات بين قصتي نجاح في دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية، ففي حين أن دولة الإمارات تقع في منطقة مليئة بالكثير من التحديات والأزمات إلا أن مؤشرات التنمية فيها الأعلى وتفوق بعض الدول الغربية، كما أنها دولة تؤمن بالقيم إنسانية باعتبارها قوة ناعمة تؤثر على الآخرين في المنطقة وتفرض احترامها للجميع دون أن تجبرهم على تجربتها، فإنه في المقابل نجد الصين التي لم تتخلى عنها أيديولوجيتها وفكرها الاقتصادي القائم على الاشتراكية تبهر العالم بما فيه الغرب بقدرتها على تحقيق نسب نمو تفوق الاقتصاد الرأسمالي الأمر الذي دفع بالعديد من منظريها يعيدون النظر في المفاهيم السياسية والاقتصادية.
على كل، إذا كانت الصين أبهرت العالم في قدرتها على التأقلم مع المتغيرات الدولية وإعادة تشكيل نفسها كقوة عالمية، فإن دولة الإمارات قدمت لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تجربة تنموية وإنسانية تقتدى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة