الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سار على نهج والده فرسخ دعائم هذه العلاقات بثلاث زيارات تاريخية لجمهورية الصين الشعبية كانت الأولى عام 2009.
تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى جمهورية الصين الشعبية لتمثل محطة تاريخية جديدة في مسار العلاقات المتنامية بين البلدين والشعبين الصديقين وخطوة جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، هذه الشراكة وتلك العلاقة التي أرسى أسسها ووضع حجر أساسها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بخطابه الذي أرسله عام 1971 إلى رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك "شو أن لاي" يبلغه فيها بقيام اتحاد الإمارات، وجاء الرد الصيني على هذا الخطاب سريعا عبر برقية تهنئة من "شو أن لاي" إلى الشيخ زايد يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات العربية المتحدة، ثم كانت الخطوة التالية التي شهدت الإعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين في عام 1984، وفي العام التالي تم افتتاح سفارة لجمهورية الصين الشعبية في أبوظبي، ثم افتتاح سفارة الإمارات في بكين في مارس 1987، ثم جاءت زيارة الرئيس يانج شونج كون كأول رئيس صيني يزور الإمارات في عام 1989.
هكذا يرى الشيخ محمد بن زايد الصين وهكذا يثمن العلاقة معها ويقدر أهميتها، وهكذا يتطلع إلى آفاق تلك العلاقة ومستقبلها، ويرى أنه ما زالت هناك فرص وإمكانيات كبيرة للذهاب بتلك العلاقات بعيدا بما يلبي طموحات البلدين.
وبعدها بأقل من عام جاءت الخطوة التاريخية الأبرز في محطات تطور العلاقات بين البلدين والتي تمثلت في زيارة الشيخ زايد للصين في شهر مايو من عام 1990 بعد أن استشرف ببصيرته النافذة ما ينتظر الصين من مستقبل واعد قريب، كقوة اقتصادية عالمية ولاعب سياسي رئيسي في التفاعلات الدولية، وكانت هذه الزيارة هي الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين، لتمثل هذه الزيارة نقطة انطلاق محورية في علاقات تنامت بسرعة وكثافة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد سار على نهج والده فرسخ دعائم هذه العلاقات بثلاث زيارات تاريخية لجمهورية الصين الشعبية كانت الأولى في عام 2009، والثانية في عام 2012، والثالثة عام 2015، وها نحن بصدد زيارة تاريخية رابعة هذه الأيام يبحث خلالها سموه مع فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ وكبار القادة والمسؤولين الصينيين تعزيز علاقات الصداقة وتطوير التعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين في مختلف المجالات والقطاعات، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، تلك الشراكة التي تبدو معالمها جلية على المستوييْن السياسي والاقتصادي.
فعلى المستوى السياسي، هناك تفاهم وتنسيق في المواقف بين البلدين تجاه معظم القضايا الدولية والإقليمية، خاصة في ظل وجود قيادتين في البلدين تدركان أهمية الارتقاء بمسار العلاقات الثنائية، وتؤمنان بحتمية ترسيخ الشراكة بينهما، باعتبارها ضرورة لإرساء أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهنا تدعم الإمارات الموقف الصيني إزاء قضية تايوان في المحافل الدولية، وكنتاج لهذا الدعم، تقدَّمت بكين بالشكر لدولة الإمارات لإحباط محاولة تايوان للحصول على اعتراف دولي إبان اجتماعات الدورة الـ122 للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وقد قوبل الطلب الذي تقدَّمت به تايوان للانضمام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة بالرفض من قِبل الإمارات، وأكَّدت الإمارات غير ذي مرة أنَّ زيارة وفود تجارية قادمة من تايوان لها لا يمثِّل بأي حال حيادًا عن الموقف الإماراتي الرسمي من قضية تايوان ولا يعدو كونه أمرًا تجاريًا فحسب.
في المقابل تؤيد الصين موقف الإمارات الداعي إلى حل قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران سلميا من خلال التفاوض المباشر أو عبر التحكيم الدولي ووفقا لقواعد القانون الدولي، كما تجلت هذه الشراكة في الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في يوليو 2018، وهي الزيارة التي شهدت منحه "وسام زايد" من قبل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، والذي قلده إياه الشيخ محمد بن زايد ويعد الوسام الأرفع في الدولة، في هذه الزيارة وصف الرئيس الصيني دولة الإمارات بأنها واحة التنمية في العالم العربي، وأنها تتقدم دول الشرق الأوسط من حيث التنوع الاقتصادي والتسامح والانفتاح الاجتماعي، وتؤدي دوراً إيجابياً في صيانة وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وأعرب عن يقينه التام بأن جمهورية الصين الشعبية ودولة الإمارات العربية المتحدة ستفتحان فصلاً جديداً من التعاون المشترك لتقديم مساهمات أكبر للعالم ومستقبل البلدين المشترك، مؤكداً أنه رغم البعد الجغرافي بين الصين والإمارات فإنهما موطن لشعب محب للكفاح والإبداع والحلم.
أما على المستوى الاقتصادي، فتنظر الإمارات إلى الصين كسوق ناشئة مهمة، وفي الوقت نفسه يزداد تفاؤل المستثمرين الصينيين بإمكانات السوق الإماراتية وآفاقها، فنجد أنه في عام 2017 أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وفي يوليو عام 2017 وقعت الإمارات والصين اتفاقية تعاون بين الحكومتين واتفاقية رسمية للاستثمار في المنطقة النموذجية، وفي ديسمبر من العام نفسه أكدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية أن المنطقة أول منطقة تعاون إنتاجي في البلاد تحت مبادرة الحزام والطريق، وفي هذا الإطار جاءت مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في منتدى "الحزام والطريق" الذي عقد في العاصمة الصينية بكين في أبريل الماضي إلى جانب أكثر من 40 زعيماً عالمياً؛ لترسيخ دور الإمارات وشراكاتها الدولية مع أي مشروع يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، ومنها هذا المشروع الصيني العالمي العملاق.
يكفي أنْ نذكر في هذا السياق أنَّ هناك نحو 300 ألف مواطن صيني يعيشون ويعملون في الإمارات، كما أن عدد الشركات الصينية العاملة في الإمارات يناهز 4200 شركة من بينها 170 شركة علاوة على 2500 علامة تجارية صينية مسجلة، هذا وتنشط معظم الاستثمارات الصينية، التي بلغت نحو 2.8 مليار دولار، في قطاعات المقاولات والهندسة والتجارة والتأمين والنقل والنشاطات العقارية، حيث تنظر الشركات والمستثمرين الصينيين للإمارات على أنها بوابة التجارة الصينية إلى أسواق المنطقة والعالم، ما يدفع كبرى الشركات التجارية الصينية إلى اختيار الإمارات لإقامة مراكزها المتقدمة التي تنطلق منها إلى العالم، مستفيدة من القدرات الكبيرة التي توفرها الدولة لحركة التجارة العالمية والإقليمية من خلال تطور بنيتها التحتية وكفاءة خدمات الموانئ والمناطق الحرة والخدمات الجمركية.
وكانت آخر الشراكات والمشاريع التي نفذها البلدان تمثلت في افتتاح محطة كوسكو أبوظبي للحاويات التابعة لشركة كوسكو الملاحية للموانئ المحدودة في ميناء خليفة، والتي تعد أول محطة دولية للشركة، وهي أكبر شركة شحن متكاملة في العالم.
ومن المشاريع العملاقة المزمع إطلاقها مجمع "سوق التجار" الذي سيتم إنشاؤه في دبي لتخزين وشحن البضائع الصينية إلى العالم، هذا المشروع يؤكد دور الإمارات كشريك استراتيجي ومحطة عالمية محورية لطريق الحرير، ويؤكد أيضا أن الإمارات ستسهم في إحياء هذا الطريق التاريخي، وستقف إلى جانب العالم في خلق مناخ اقتصادي وتنموي، وستشكل حلقة وصل اقتصادية وتجارية دولية، في المقابل فإن انضمام الإمارات إلى المبادرة الصينية "حزام واحد.. طريق واحد"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، والتي يقدر حجم الاستثمارات الصينية الموجهة إليها بنحو 900 مليار دولار، يتوقع أن تتضاعف المكاسب الاقتصادية لدولة الإمارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من المتوقع زيادة حجم التجارة بين الدولتين إلى 70 مليار دولار بحلول 2020، فضلا عن توقعات بأن تكون الإمارات من أكبر الدول المستفيدة من تدفق السياح الصينيين إليها، خاصة أن الإمارات أصبحت أكثر وجهة سياحية إقبالا للسياح الصينيين عربيا وشرق أوسطيا؛ إذ تجاوز عدد السياح الصينيين إلى الإمارات مليون نسمة للمرة الأولى في عام 2017، ويبلغ عدد السياح الصينيين الذين يقومون بالترانزيت في الإمارات 3.5 مليون نسمة، وفي عام 2017 أصبحت الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تحصل على معاملة إعفاء مواطنيها من تأشيرة دخول الصين.
في زيارته الأخيرة للصين قبل 4 أعوام قال الشيخ محمد بن زايد: "إن تعزيز العلاقة مع جمهورية الصين الشعبية يمثل توجها استراتيجيا أساسيا لدولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة"، وشدد على أن "زخم العلاقات من عقود ماضية من صداقة وتعاون ومصالح مشتركة في المجالات كافة يمثل أساسا قويا لانطلاقة كبيرة لعلاقاتنا في المستقبل".
هكذا يرى الشيخ محمد بن زايد الصين، وهكذا يثمن العلاقة معها ويقدر أهميتها، وهكذا يتطلع إلى آفاق تلك العلاقة ومستقبلها، ويرى أنه ما زالت هناك فرص وإمكانيات كبيرة للذهاب بتلك العلاقات بعيدا بما يلبي طموحات البلدين، وهو ما عبّر عنه صراحة أثناء زيارته الأخيرة بقوله إنه "على الرغم من التطور الكبير للعلاقات الاقتصادية والتجارية خلال السنوات الماضية، فإن هناك طموحات مشتركة لمزيد من التطوير خلال السنوات المقبلة، خاصة أن ثمة إمكانات وفرصا كبيرة لهذا التطوير" وما زيارته الحالية للصين إلا ترسيخ لهذه الرؤية وتعزيز لها، وتطلع إلى آفاق أرحب من التعاون بين قوتين فاعلتين على الصعيدين الدولي والإقليمي، وسعي وراء فرصة جديدة لتعميق وتوسيع التعاون والشراكة الثنائية بين البلدين ودفع علاقاتهما القائمة على الصداقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة إلى الأمام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة