صدور الترجمة العربية لرواية "وزارة السعادة القصوى" لأروندهاتي روي
أروندهاتي روي روائية هندية تحولت إلى ظاهرة عالمية بعد فوز روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" بجائزة مان بوكر في 1997.
صدرت مؤخراً الترجمة العربية لرواية "وزارة السعادة القصوى" للكاتبة الهندية أروندهاتي روي عن دار الكتب خان بالقاهرة، بترجمة أحمد شافعي.
وتعد الكاتبة الهندية أروندهاتي روي مزيجا من قدرات متنوعة وفريدة، إذ تخرجت في كلية الهندسة المعمارية، وعملت بعد تخرجها في صناعة الكعك الذي كانت تبيعه على الشاطئ في ولاية جوا الهندية! وعندما وصلت إلى الثلاثينيات من عمرها، بدأت في الكتابة للسينما والدراما، وساعدها في ذلك زواجها من رجل يعد واحدا من صناع السينما الهندية، إلى أن جاء عام 1997، وصدرت روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" التي فازت بجائزة مان بوكر البريطانية، وبيعت منها أكثر من 8 ملايين نسخة، وترجمت إلى 42 لغة حول العالم وحولتها لظاهرة متكاملة الأركان في بلد كان يستعد لقفزة تنموية واضحة.
وخلال 22 سنة تلت روايتها المهمة، نشرت روي عددا من الكتب غير السردية، نحو 18 كتاباً، تناولت مسائل تخص الشأن السياسي الهندي والعالمي، منها: "نهاية الخيال" 1998، و"ثمن العيش" 1999، و"حديث الحرب" 2003، و"الرأسمالية: قصة مرعبة" 2014.
كان اللافت في أمر صاحبة رواية "إله الأشياء الصغيرة" هو أنها بعد النجاح الساحق لروايتها، وفوزها بجائزة تعد الأهم أدبيا في العالم بعد جائزة نوبل للآداب، انخرطت روي في كتابات ونشاطات ليست أدبية، إذ انشغلت كثيرا بالهم السياسي العام في الهند، وباتت واحدة من أبرز أصوات اليسار الراديكالي هناك، وواجهت العديد من التهم الجنائية، كما تعرضت للسجن.
في عام 2005، رفضت روي جائزة الإبداع الأدبي الهندية، اعتراضًا منها على جرائم النظام الهندي والمذابح الجماعية، كما أدانت بشدة التجارب النووية في الهند.
تسرد رواية "إله الأشياء الصغيرة" قصة عائلة هندية مكونة من أخوين توأمين، فتاة وشاب تم الفصل بينهما، وهما لأم مسيحية تزوجت رجلا هندوسيا سكيرا تركها وحدها تواجه المجتمع والعائلة.
وفي 2017، وبعد 20 عاما كاملة من إصدار روايتها الأولى، نشرت روي روايتها الثانية "وزارة السعادة القصوى" في لندن، وصدرت الترجمة العربية للرواية مؤخرًا عن دار الكتب خان بالقاهرة، بترجمة أحمد شافعي.
ويقول أحمد شافعي لـ"العين الإخبارية" إن رواية "إله الأشياء الصغيرة" لفتت الأنظار، لو لم يكن في عبارة "لفت الأنظار" تهوين من رواية قارنها البعض بأعمال فوكنر وماركيز، كان طبيعيا أن أنتظر مثلما انتظر الكثيرون غيري رواية "وزارة السعادة القصوى".
وفي السنوات العشرين الفاصلة بين الروايتين، ترجم شافعي لروي وقرأ الكثير من المقالات والحوارات التي أجريت معها، وتابع عملها السياسي واهتمامها النضالي بقضايا الهند الشائكة، مؤكدا أنه حينما وضعت الناشرة "كرم يوسف" رواية "وزارة السعادة القصوى" بين يديه، وجد فيها متحفا حقيقيا جمعت فيه "روي" كل قضايا الهند التي شغلتها طويلا والتي كان ينبغي أن تشغلها: انتهاكات البيئة، وانتهاك حقوق الإنسان، وقمع المرأة، ورفض الآخر المختلف لونا أو دينا أو جنسا، والتعصب الديني، واستبداد الدولة البوليسية، وفضائح النظام الطبقي اللعين في الهند وغير ذلك الكثير. وذلك كله عبر حكايات تلو حكايات، فلا تكاد حكاية تقترب من نهاية، حتى يجد القارئ نفسه أمام حكاية تولد.
يتابع شافعي: "سيجد القارئ أن هذه الرواية كالحياة بالضبط، أو كالحياة فيما أتخيل، يكتمل معناها بانتهائها، وإذا بالخيوط التي بدت متوازية لا تعد بالتقاطع تتقاطع أو تتماس، وترسم صورة كلية ربما تأخرت طويلا، ولكن القارئ يكتشف في النهاية أن ذلك التريث الطويل كان جزءا أكيدا من المتعة".
كانت ترجمة الرواية، بالنسبة إلى شافعي، حافلة بالمصاعب. يقول: "استعنت عليها بالصبر والبحث مثلما استعنت عليها بأهل الخبرة ومنهم صديقي المترجم عن الأردية هاني السعيد. فالرواية مليئة بالكلمات والعبارات والجمل والأبيات الشعرية المكتوبة بالأردية، وليس بالإنجليزية لغة الرواية ولغة الكتابة لدى أروندهاتي روي، فضلا عن أنواع من الثياب والأطعمة والموسيقى مما تختص به شبه القارة الهندية دون غيرها".
وكان من أصعب ما واجه شافعي في الترجمة عنوان الرواية نفسه؛ فكلمة "Ministry" لها معنيان أساسيان، أحدهما يشير إلى الوزارة كما نعرفها، وأحدهما يشير إلى منصب الكاهن minister أو وظيفته في الكنيسة. يقول شافعي: "لم تسعفني قريحتي بكلمة في العربية تجمع المعنيين، أو حتى تجمع معنيين، دنيوي كالوزارة وديني كالكهانة، ربما كلمة "مملكة" كانت لتفي بهذا المعنى؟ لا أدري. الأمر الذي رجح لي ترجمة العنوان إلى وزارة السعادة القصوى، هو أن نضال شخصيات الرواية جميعا من أجل السعادة -ويكاد معنى السعادة في الرواية يقتصر على العيش في سلام، بلا تدخل من أحد في شؤون أحد- ساقها إلى الصدام مع مؤسسات المجتمع الراسخة وأهمها الدولة، فكان الحل الذي وصلت إليه شخصيات الرواية، أو سيقت إليه، هو أن تعتزل هذا المجتمع بمؤسساته، وتقيم في المقبرة ما يشبه مؤسسة صغيرة هدفها حماية اختلاف أفرادها، وحماية حياتهم البسيطة التي رغم بساطتها بل وتفاهتها فإنها تبدو مزعجة لمؤسسات كبرى لا تطمئن إلى الاختلاف وتكرهه وتحاربه وتقسو عليه. بدت لي الرواية دعوة للخروج على المؤسسة، على الدولة، دعوة إلى ما يشبه العصيان المدني، بدت لي حلا أناركيا، بدا لي أن استعمال كلمة "الوزارة" يضع خطا سميكا تحت المعنى الكبير الذي تمثله الرواية، أو أحد معانيها الأساسية على أي حال".