اليوم العالمي للترجمة.. طفرة في الإنتاج ومشكلات في الأجور والتسويق
الكتب الأدبية تسيطر على النصيب الأكبر من الكتب المترجمة لدى دور النشر العربية، لذا فهي الأكثر انتشارا بين التراجم
تحتفي الأوساط الثقافية، 30 سبتمبر، باليوم العالمي للترجمة، وسط إقبال كبير من الجمهور على الأعمال العالمية منها، ومشاكل مادية تواجه المترجمين الذين يبحثون عن "أكل العيش".
واختار الاتحاد الدولي للترجمة هذا اليوم لارتباطه بذكرى وفاة القديس جيروم، الذي ترجم الكتاب المقدس من العبرية واليونانية إلى اللاتينية،
وبدأ الاحتفال بيوم الترجمة للمرة الأولى عام 1991، من جانب الاتحاد للاحتفاء بدور وأهمية وتأثير اللغات في نقل الثقافات بين الشعوب، وإيمانًا بقدرة الترجمة على لعب دور الوسيط الأبرز والأكثر فعالية بين الشعوب والثقافات المختلفة.
ومرت الترجمة بمراحل متعددة شهدت تحولات كبيرة وتطورات أكبر عبر تاريخها، وفي العالم العربي تسيطر ترجمة الكتب الأدبية على النصيب الأكبر من الكتب المترجمة لدى دور النشر، إذ تجد إقبالًا كبيرًا من القارئ، عن غيرها من الكتب الأخرى، ولعل هذه موضة عالمية.
ويرى الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة في مصر ، أن الترجمة حققت طفرات هائلة في المسيرة الثقافية الإنسانية بوجه عام، إذ لعبت دور الوسط بامتياز، ولولاها لما وصل العالم لهذا المستوى من التقدم والتطور الكبير.
ويقول مغيث لـ"العين الإخبارية": "الترجمة ساعدتنا على التواصل بشكل كامل، ولولاها لبات كل شعب معزولًا داخل حدوده، لا يعرف شيئًا عن طبائع وخصوصية وثقافة الشعوب الأخرى، كما أن الكتاب الذين أثروا الإنسانية بكتاباتهم لم يكونوا ليحققوا هذه المستويات الكبيرة لولا اطلاعهم على منجزات الآخرين وإبداعاتهم، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا وجود الترجمة كوسيط ثقافي وحضاري عظيم. ونفس الأمر بالنسبة للعلماء والمفكرين والنابغين في المجالات المعرفية المختلفة، ولذلك فالعالم مدين للترجمة التي نقلتنا أعواماً ضوئية للأمام".
ويؤكد مدير القومي للترجمة أن الترجمة الأدبية تفرض نفسها داخل سوق النشر في العالم العربي، إذ إن لها جمهورًا يفوق بمراحل جمهور الكتب العلمية والفكرية والفلسفية، وبالتالي فإن دور النشر الخاصة التي تستهدف المكسب المالي أيضًا، لا بد وأن تنحاز لهذا النوع من الكتب الذي يدر دخلًا على الناشر، ولذلك فإن الترجمة الأدبية تجد نفسها تتمدد بالنسبة لصناعة النشر العربية.
ويضيف مغيث: "بالنسبة للمركز القومي للترجمة، فإننا نهتم بنشر كل أنواع الكتب وترجمتها عن لغات مختلفة حول العالم، لكن تقارير التسويق لدينا تشير دائمًا لنجاح الكتب الأدبية المترجمة خصوصاً الروايات في خلق سوق كبير لنفسها، وبالتالي تحقيق مبيعات كبيرة وفي نفس الوقت الوصول لقراء أكثر، وهو ما يفسر سبب أن غالبية إنتاج المركز يكون من الكتب الأدبية، ففي النهاية نستهدف القارئ ونريد أن نصل إليه، ووصولنا له بالكتب الأدبية دليل على نجاح هذه الأعمال من ناحية، ونجاح المترجمين في نقل الكتاب بلغة عربية سليمة وسلسة وبسيطة".
الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق ومؤسس المشروع القومي للترجمة، يؤكد أن الترجمة عمل نبيل، وأن المترجمين يقومون بدور كبير للغاية في صناعة الثقافة.
ويقول عصفور : "أنجزت الترجمة آلاف العناوين من كل لغات العالم عبر قرون ممتدة، وهذا لعب دورًا لا يمكن إغفاله فيما يخص التواصل بين الحضارات، واطلاع الثقافات على بعضها البعض، واستفادة كل ثقافة من الأخرى، وتعرف كل بلد على خصوصية البلد الآخر، ما أكسب الإنسان في النهاية حصيلة معلوماتية ومعرفية هائلة، وأكسبه خبرات عميقة، بفضل الترجمة والمترجمين الذي نجحوا، في عالمنا العربي، في ترك بصمة قوية".
ولفت وزير الثقافة الأسبق إلى أننا بحاجة طوال الوقت للمزيد من المؤسسات الداعمة للترجمة والمشرفة على مشروعات طموحة لترجمة المزيد من الكتب في مجالات مختلفة، موضحًا أن اقتصار الترجمة على الأدب فقط لا يعد بالأمر الجيد، لأن المجتمعات دائمًا وبخاصة في بلادنا العربية لا تزال في حاجة كبيرة للاطلاع على ما أنجزه العلم، والفلسفة، والفكر الإنساني، وعلم الاجتماع، والسياسة، وعلم النفس وشتى الحقول المعرفية، من أجل الوصول لرؤية أعمق مما يبدو.
ويري المترجم أحمد صلاح الدين، أن أجور المترجمين في العالم العربي تحتاج إلى مراجعة على أكثر من مستوي، مضيفا: "نحن لا نملك ضوابط محددة لمعرفة كيف يحصل هذا المترجم أو ذاك على المقابل المالي لكتابه، لأن الأمر لا تحده أمور منضبطة، ولا يمكن مساواة مترجم له خبرة واسعة ومنجز كبير في الترجمة من حيث عدد الكتب التي ترجمه وأهمية هذه الكتب أيضًا بمترجم آخر لا يزال في بداية الطريق".
ويدعو صلاح الدين إلى وضع معايير لضبط المسألة، لأن أجور المترجمين بها أزمة حقيقية، والمترجم في النهاية لا يؤدي دورًا ثقافيًا فقط، بل هو في الأساس إنسان، واشتغاله بالترجمة يعني أنها مصدر "أكل عيشه"، ولكي نضمن منجزًا ذا جودة عالية، فإننا يجب أن نعطي للقائمين على الصناعة حقوقهم، لأن واحدة من أكبر مشكلات الترجمة أن يظل المترجم يعمل على كتابه لشهور، وعندما يسلمه للناشر ينتظر شهورا أخرى ليحصل على مستحقاته المالية، وهذا أمر مربك يحتاج إلى إعادة نظر من قبل القائمين على الصناعة.
aXA6IDE4LjExOC4xMTkuNzcg جزيرة ام اند امز