الكاتب المصري أحمد سمير سعد: مستمتع بالترجمة وللإبداع إغراؤه
"العين الإخبارية" تحاور الكاتب والمترجم المصري أحمد سمير سعد حول عالم الأدب ومجال الترجمة التي يخوض بها مشروعات جديدة في حقل العلوم.
لفت الكاتب والقاص المصري أحمد سمير سعد الانتباه قبل سنوات لمشروعه في القصة والرواية والكتابة للأطفال، وحازت أعماله تقدير عدد من الجوائز الأدبية، منها الحضور المميز لمجموعته القصصية "الضئيل صاحب غية الحمام"، وجائزة الشارقة لأدب الطفل 2017 عن مجموعته القصصية للأطفال "ممالك ملونة".
أحمد سمير سعد هو أيضاً مدرس بقسم التخدير في كلية الطب بجامعة القاهرة، وهي مهنة تشي بشغف شخصي بالغ بالعلم، ما سعى إلى أن يوظفه في أكثر من تجربة له عبر الكتابة الإبداعية، فخرج كتابه المُشبع بتجربته الذاتية كطبيب تخدير "الإكسير.. سحر البنج الذي نمزج"، وقدَّم كتاباً علمياً مبسطاً عنوانه "لعب مع الكون".
وخلال الفترة الأخيرة تميّز سعد بقبعة المترجم الذي يتخيّر عناوين من حقول علمية خصبة، عن الكون والعقل والفيزياء، يسعى بها إلى مخاطبة أهل العلم والجمهور غير المتخصص في العلوم على السواء، وهنا نص حواره مع "العين الإخبارية".
كيف كانت بداية خوضك مضمار الترجمة العلمية؟
أول كتاب ترجمته هو "ما الحياة؟ الجانب الفيزيائي للخلية الحية" لإرفين شرودنجر، وصدر عن مؤسسة "هنداوي"، قبله لم أفكر أبداً في الترجمة رغم أنني كنت أنظر بامتنان شديد إلى جهود الدكتور أحمد مستجير والدكتور مصطفى إبراهيم فهمي وغيرهما فيما يتعلق بترجمتهم للكتب العلمية وإتاحتهم لعوالمها السحرية، ورغم طرح الأصدقاء هذه الفكرة عليّ، فإن كل شيء -ودون توقع مني أنا شخصياً- بدأ عند ذلك الكتاب، كان مرجعاً مهماً للغاية لا تكف الكتب العلمية الحديثة عن ذكره وكان عليّ الاطلاع عليه وأنا بصدد تأليف كتاب علمي مبسّط للعامة، ذلك الذي صدر في ما بعد تحت عنوان "لعب مع الكون".
وجدتني متحمساً لترجمة ذلك السِفر الرائع، خصوصاً أن حجمه بدا صغيراً نسبياً، في البداية فاجأتني صعوبة لغة شرودنجر عند ترجمتها، هي تبدو سلسة في الإنجليزية لكنها تحتاج إلى مجهود كبير عند نقلها للعربية لأنه يهوى الإطناب وجملته قد تطول إلى 3 أسطر أو يزيد، ما يستدعي الكثير من إعادة الصياغة وترتيب الكلمات حتى يستقيم المعنى في العربية وحتى تأتي الجمل سلسة ودون تحريف لمعناها الأصلي في الإنجليزية لكنني كنت أتقدم بدافع أهمية الكتاب وسيطرته الكبيرة عليّ.
كنت محظوظاً بأن حظي الكتاب باهتمام مؤسسة "هنداوي" عندما عرضته عليهم بعد ترجمته ولم لا وهو الكتاب الفريد ربما في موضوعه والرائد في محاولته للتأسيس لمفهوم الحياة البيولوجي انطلاقاً من قواعد وأسس وقوانين الفيزياء، واستقبل الكتاب بحفاوة أكبر كثيراً مما توقعت عند نشره وهو ما حفّزني على مواصلة ترجمة أمهات الكتب العلمية التي توجهت للعامة لكنها لم تفقد أبداً العمق بتوجهها ذلك حتى أن العلماء أنفسهم قد يستمتعون بقراءتها.
ما أهمية كتاب "فلسفة العلم الفيزيائي" التي دفعتك لترجمته؟
ربما يجب أن أبدأ من كتاب سابق لسير آرثر ستانلي إدنجتون وهو كتاب "طبيعة العالم الفيزيائي" وقد ترجمته مؤخراً وصدر عن دار "آفاق"، وفي هذا الكتاب يحاول إدنجتون مقاربة الطفرة الحديثة التي طرأت على علم الفيزياء، خصوصاً النظرية النسبية ونظرية الكم، وتقديم المفاهيم المتعلقة بها للقارئ العام، وهو يفعل ذلك بسلاسة شديدة وبنقلات خفيفة متمهلة، وربما يعود ذلك إلى أنه عايش تلك القفزة المهولة التي قامت بها الفيزياء عندما تحولت من المنظور الكلاسيكي إلى المنظور الحديث الحالي.
لذلك عندما حاول نقل الأمر للعامة جاءت أمثلته واضحة وثرية ومتفهمة لأغلب مناطق سوء الفهم وتعثراته، محاولاً تذليل أي صعوبة قد تواجه القارئ العام، لكن إدنجتون في كتابه ذلك لم يكتفِ بهذا بل انطلق ربما بشكل رائد إلى محاولة تفسير الواقع ومساءلة الحتمية والسببية في ضوء هذه الاكتشافات الحديثة وتداعياتها بل حاول مساءلة الروحانية والشعور كذلك في ثقة وشجاعة.
كَتَبَ إدنجتون كتاب "فلسفة العلم الفيزيائي" بعد 7 سنوات من كتابه "طبيعة العالم الفيزيائي"، وأوضح أنّ ما استدعى كتابة هذا الكتاب هو خلوصه إلى أن علم الفيزياء ذاته شهد طفرة جعلته يبدو وكأن أهم مفاهيمه قائمة على مفاهيم نظرية المعرفة ذاتها والإبستمولوجيا العلمية.
في هذا الكتاب نجد إدنجتون مدللاً على وجهة نظره تلك مؤسساً لها محيلاً إلى الارتباط الشديد بين علوم الفيزياء والفلسفة ومشبهاً عمل العلماء بعمل الفنانين ومبرزاً أهم الأسس المعرفية والفلسفية، التي قامت عليها نظريتا النسبية والكم، ثم محاولاً التأسيس لرؤية فلسفية شاملة تخصه، هذه النظرة الكلية الشاملة المبكرة والبكر هي ما حفزتني على إتمام ترجمة هذين السِفْرَين، بالإضافة إلى ما لإدنجتون من ثقل كبير في المجتمع العلمي وهو الفلكي صاحب الأبحاث الكثيرة عن النجوم والفيزيائي الرياضي أول من أثبت النظرية النسبية العامة لأينشتاين تجريبياً.
هل بوسع الجمهور العادي أن يقرأ هذه الترجمات؟ أم هي مواد مُتخصصة؟
بالطبع هذه الكتب بالأساس موجهة للعامة، إلا أنها لا تفتقر للعمق، أغلبها جاء كخلاصة مجموعة من المحاضرات ألقاها مؤلفوها في أعرق الجامعات مستهدفين جمهوراً من العامة ثم حولوها إلى تلك الكتب وهي مع ذلك ممتعة للعلماء مثيرة لخيالهم ووجدانهم، على سبيل المثال نجد أن آخر طبعات كتاب "طبيعة العالم الفيزيائي" الصادرة عن كامبريدج باللغة الإنجليزية تبدأ بمقدمة كتبها الفيزيائي ريتشارد كون هنري.
وسنجده قد بدأ المقدمة بأن هذا كتاب يجب أن يقرأه كل فيزيائي حتى إن كان الجمهور الذي كتب من أجله الكتاب هو جمهور العامة، ولا يكتفي ريتشارد كون هنري بذلك بل يذهب إلى أن كل فيزيائي يجب أن يقرأه من الغلاف إلى الغلاف دون أن يفوت كلمة، وهو إذ بدأ بذلك، نجده قد أضاف في خاتمة مقدمته أن أقصى متعة من الممكن أن يحوزها قارئ للكتاب ستكون من نصيب الفيزيائي، لا ينكر ريتشارد كون هنري المتعة على الرجل العادي لكنه يؤمن بأن المتعة الأكبر ستكون من نصيب الفيزيائي العارف.
برأيك هل تسد الترجمة حالة الفراغ الكبير الموجودة في خانة الكتاب العلمي؟
في ظني أن الترجمة قد تسد الحاجة إلى المعرفة وقد تعبّد دروب الخيال لكنها غير كافية أبداً لتأسيس لتجربة متفردة، صحيح أن العلم واحد لكن سبل إدراكه متعددة وحتى اللحظة نعيش على منجز الآخر الفكري، لقد أسست نفس النظريات العلمية لرؤى واقعية ونسبوية وبرجماتية لكننا لم ندلُ بدلونا بعد ولم نضف إلى عمق الصورة بعد.. ربما يتعجب البعض لو عرف أن رؤية الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة لعلاقات السببية والحتمية هي قريبة جداً من رؤى الفلسفات الحديثة المترتبة على تداعيات العلوم الحديثة.
ربما يعود ذلك إلى أن الغزالي عاصر فترة مد علمي وثقافي شمل كل المنطقة، وربما نحن في حاجة إلى مثل ذلك المد الآن كي نشارك في الطفرة العلمية وساعتها تكون لنا تجاربنا الخاصة ورؤانا البكر.. بالتأكيد تعمل الترجمة على رأب الصدع، لكن التجربة الشخصية والتأليف هو الشيء الوحيد القادر على الإتيان ببنيان مشيد.
هل بدأت تواجه تنافساً شخصياً بين ممارسة الترجمة والكتابة؟
لا أنكر أن ذلك قد حدث بالفعل، للترجمة متعتها، متعة التوحّد مع الكاتب الأصلي وأفكاره، خاصة إذا جاءت ثرية وعميقة، يقولون إنَّ المترجم خائن وهو يخون ربما رغماً عنه لأنه في إطار صياغته للمعادل الموضوعي للمعنى في لغته الأم قد يضطر إلى تعديل أشياء بسبب اختلاف الإحالات اللغوية والثقافية، لكنني أذهب إلى كونه لصاً كذلك.. فالمترجم ينتحل كذلك لكنه يفعل ذلك عن عمد، خاصة إذا ما تماهى مع أفكار المؤلف الأصلي، يشعر بأن ذلك العمل الذي أتم ترجمته هو ملك له في لغته الأم وهي خبرة لا تتأتى أبداً للقارئ النمطي.
غير أن للكتابة الإبداعية فرادتها كذلك، فهي قائمة على الخلق من العدم، والمسؤولية الشخصية عن كل كلمة دون أي مشاركة من أحد، حقيقة أظن أنه من المبكر الحكم عما إذا كان هذا التنافس الذي أعانيه قد أدى إلى نتائج إيجابية أم سلبية، لكنني مستمتع جدا بالتجربتين ومنفتح جدا نحو أي تجارب جديدة في المجالين.