دفعت الصراعات التي شهدتها الدول العربية مؤخراً الكثير من أتباع الديانة المسيحية إلى مغادرة بلدانهم الأصلية لما عاناه هؤلاء من اضطهاد
تتعدد أسباب الحروب في العالم منها ما هو سياسي وآخر سلطوي استعماري وأخرى لأسباب اقتصادية ولكن لا يخفى على أحد أنّ الكثير من هذه الصراعات التي شهدها ويشهدها العالم في الآونة الأخيرة أودت بحياة ملايين البشر قتلاً وتهجيراً وتعنيفاً، ويعتبر من بين أهم أسباب هذه الصراعات هو العامل الديني المتمثل في تشبث الأطراف المتصارعة كلٌّ برأيه على أنّه الأصح وغيره يركن في ضفة الضالين.
يمكن للمجتمعات كافة والحكومات كذلك مساندة رجلي السلام بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر في إيصال رسالتهما للعالم أجمع بأنّه بالسلام والحوار فقط يحيا الإنسان. ويمكن كذلك للدول القريبة والبعيدة ضبط سياساتها بما يخدم البشرية وينميها ويرفع قدر الإنسان
وقد حدث ذلك في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين بعد ظهور حركة الإصلاح البروتستانتية، واندلاع حرب في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وهولندا. كما يعتبر الاحتلال الإسرائيلي مثالا على ذلك في العصر الحديث.
يضاف إلى ذلك ما يتعرض له الروهينجا، وهم الأقلية المسلمة في ميانمار، حيث انتشر ما بات يطلق عليه البعض حروباً تستهدف المسلمين من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي شكلت تحالفات كبيرة لمحاربة الإرهاب. ويعيد هؤلاء بشكل دائم ما ردده الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن إبان احتلال العراق حين أعلن أنّ عمليات قواته في العراق ما هي إلا حرب صليبية وكان هذا خطأ فادحا دفعت المنطقة ثمنه غالياً.
كذلك دفعت الصراعات التي شهدتها الدول العربية مؤخراً الكثير من أتباع الديانة المسيحية إلى مغادرة بلدانهم الأصلية لما عاناه هؤلاء من اضطهاد وتنكيل وصل حدّ الانتقام في كثير من البلدان في مصر والعراق وسوريا ومن قبل لبنان، وهذا ما أفقد تلك الدول توازنها بقطع شريان الحياة الأساس للشعوب التي لم تؤمن بالطائفية أو العرقية وإلا لما كانوا منسجمين على مرّ العقود الماضية.
كلّ هذا الاحتقان الذي تعيشه الشعوب يمكن احتواؤه بخطاب ديني معتدل لا يحاكي الغرائز ويحركها باتجاهات السلوكيات الظلامية المتشددة كما يفعل رجال دين من مختلف الديانات الأخرى. يأتي ذلك من خلال إدراك حقيقة أنّ جميع البشر هم إخوة في الخلق وهذا ما يعمل عليه رجلا الاعتدال اللذان وصلا إلى أرض الإمارات، بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس الأول وشيخ الأزهر فضيلة الأمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.
كيف لشيخ الأزهر وبابا الفاتيكان النجاح بمهمتهما الدينية والدنيوية بغرس نهج الحوار والسلام والتسامح وقبول الآخر في العقول قبل القلوب وما علاقة الإمارات في ذلك؟
ثمة أمران يمكن من خلالهما وضع لبنة الأساس لنجاح مهمة الرجلين الباحثين عن السلام برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة التي يستند دستورها إلى الرحمة والتسامح وقبول الآخر ورفض التطرف والتشدد بجميع أشكاله. وهذا ما بنى دعائمه مؤسس الدولة وصانع نهضتها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وهنا تكمن الإجابة عن علاقة دار زايد الخير بجهود الأزهر والفاتيكان الرامية للسلام.
الأمر الأول هو حصر الخطاب الديني على أهل الاختصاص وعدم ترك المجال لشذاذ الآفاق باعتلاء المنابر الدينية في دور العبادة وبث روح الكراهية تجاه الآخرين. وهذا بالفعل ما يعمل عليه الأزهر الشريف قاطعاً الطريق على الأصوات المتشددة والتنظيمات المتطرفة ورعاتها من الدول والكيانات.
الأمر الثاني تقع مسؤوليته على الحكومات العربية وغيرها، ويكمن في عدم إهمال الشباب وإفساح المجال لبعض الفئات المتطرفة لاستثمار هذه الفئات العمرية التي تشكل الغالبية في بلداننا العربية وتعبث بمستقبلهم. يحدث ذلك من خلال إشباع عقولهم بأفكار ظلامية ستكون الإنسانية ضحية لتطرفها. وينتج عنه تنفيذ غالبية الشباب لهذه العمليات الإرهابية، وهو ما يشي بحجم وعظم اختراق هؤلاء الشباب وسحب عنفوانهم نحو ميادين حارقة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل يصبحون وقودا لها فقط من دون تحصيلهم أي نتائج تعود بالنفع على مجتمعاتهم.
نستطيع القول إنّه يمكن للمجتمعات كافة والحكومات كذلك مساندة رجلي السلام بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر في إيصال رسالتهما للعالم أجمع بأنّه بالسلام والحوار فقط يحيا الإنسان. ويمكن كذلك للدول القريبة والبعيدة ضبط سياساتها بما يخدم البشرية وينميها ويرفع قدر الإنسان ويعلي من شأنه كما تفعل الإمارات على عكس بعض الدول التي تركت المجال لمن هبّ ودبّ على أراضيها بالعبث بأرواح الناس ودعم التنظيمات المتطرفة التي لن تتوقف حتى تسيطر على الحكم. حينها سيموت الاعتدال وتبقى الساحات مشرعة للمتطرفين يعبثون بالإنسان المسلم وغيره كيفما يشاءون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة